أهلا وسهلا بكم في ملتقى الغرباء يشرفنا انضمامكم الينا..

e martë, 19 qershor 2007

Tunisnews_Arabic 19/06/2007

في كل يوم، نساهم بجهدنا في تقديم إعلام أفضل وأرقى عن بلدنا، تونس
Un effort quotidien pour une information de qualité sur notre pays, la Tunisie
Everyday, we contribute to a better information about our country, Tunisia

TUNISNEWS

السنة الثامنة، العدد 2583 بتاريخ 19 جوان 2007


الموقع: www.tunisnews.net

للمراسلة: redaction@tunisnews.net


أنت مشترك بقائمة المراسلة لتونس نيوز باللغة العربية بواسطة هذا العنوان: infotunis1.newsar@blogger.com


لإيقاف اشتراكك يرجى إرسال رسالة فارغة إلى: unsubscribe_tunisnews_arabic@tunisnews.net


"الموت البطيء": شريط يوثق مأساة المساجين السياسيين بتونس


بمناسبة اليوم التضامنى مع السجين السياسى بتونس أصدرت الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين شريط تحت عنوان "الموت البطيء".
للمشاهدة اضغط على الرابط التالي:
http://www.nahdha.info/mcgallerypro/show.php?start=0&id=12&video=1
(المصدر: موقع نهضة إنفو – مارس 2007)
الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين: تجاوزات خطيرة و مضايقات متكررة في حق الأسعد الجوهري
اللقــاء الإصــلاحي الديمقراطــي:قرصنـة موقع "اللقــاء" وتحطيم محتويـاته
البديـل عاجل:دعـوة ثم ماذا؟؟؟
البديـل عاجل: الباعة في نهج بومنديل يحتجّون
إيلاف: تونسيات لا يعارضن الجنس قبل الزواج
سليم بن حميدان: لمن يهمه مستقبل تونس
طـارق الـعبيـدي :ضرائب اللاّديمقراطيـة:"إثراء غير مشروع للأثرياء و إفقار لا مبرّر له للفقراء"
عبدالله الـزواري: " كركب" أو المغامرة المتواصلة
نصر الدين بن حديد: أسئلة إلى السيّد نذير عزّوز- في المنطق وبعض الفقه ونزر من الفلسفة وبقيّة من سياسة وما تبقى من أخلاق
الهادي بريك: الجهاد الإلكتروني : جهاد العصر
محمد الحمروني : هل تخفي الاحتجاجات العمالية الأخيرة تململا سياسيا عاما؟
المعهد التونسي للدراسات الدولية :المأزق التونسي: حديث مع أحمد المناعي
د. محمد الهاشمي الحامدي:دكتورة سلوى الشرفي: ثقي بالشعب التونسي
أبو أنيس:حق الإ ختلاف وواجب وحدة الصف
حبيب الرباعي:إلى الأخ محمد النوري: أريد أن أفهم...
صــابر التونسي: كــا بــــوس
أحمد الورغمي: منذر صفر رجل كألف وألف كأفّ
راشد الغنوشي: ما يجري في فلسطين .. دلالات ومآلات
توفيق المديني:انتحار المشروع الوطني الفلسطيني
فهمي هويدي: محاولة لفهم ما جرى في غزة
محمود المبارك :قراءة قانونية في حكومة الطوارئ الفلسطينية
الياس خوري: الانتهاك
برهان بسيس: الامتياز التونسي

(Pour afficher les caractères arabes  suivre la démarche suivante : Affichage / Codage / Arabe Windows (

(To read arabic text click on the View then Encoding then Arabic Windows  (


الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين
بلاغ
تونس في : 19 جوان 2007

تجاوزات خطيرة و مضايقات متكررة في حق الأسعد الجوهري
 
 يتعرض السجين السياسي السابق و الناشط الحقوقي الأسعد الجوهري إلى تجاوزات خطيرة و مضايقات متكررة على خلفية نشاطه كعضو مؤسس للجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين. فبعد احتجازه بمنطقة الأمن بدون أي وجه شرعي يوم 24 ماي الماضي لمنعه من مرافقة وفد حقوقي تابع لمنضمة دولية لمدينة الكاف حيث يعتقل الأستاذ محمد عبو فوجئ في المدة الأخيرة باستدعائه للمثول أمام المحكمة من أجل قضية مرورية تتعلق بعدم احترام علامة التوقف و عدم الإمتثال لإشارة عون الأمن و الحال أنه لم يسبق سماعه بشأنها و لا العلم له بها. ويدعي المحضر أنه تم الإهتداء إلى هويته من خلال الرقم المنجمي للسيارة و الحال أنها مسجلة باسم زوجته.

كما تتعرض حرمة منزله منذ ثلاثة أيام إلى تجاوزات خطيرة دون أي سنذ قضائي أو موجب قانوني و ذلك من خلال محاولات متكررة تهدف إلى الإستيلاء على سيارته تتم في ساعة متأخرة جدا من الليل عن طريق رافعة بلدية معززة بسيارة أعوان تابعين لمنطقة أمن منوبة.

فقد وقع أعلامه من طرف بعض الأجوار عن محاولة رفع سيارة زوجته في حدود الفجر عن طريق رافعة بلدية من طرف أعوان المكان و لكن إكتضاض مأوى السيارات في تلك الساعة منعهم من ذلك و قد عادوا في الليلة الموالية في نفس التوقيت (الثالثة صباحا) و لكن يقظه حارس المأوى ومطالبته لهم بسند قانوني لتمكينهم منها حال دون ذلك. إلا أن نفس المحاولة أعيدت للمرة الثالثة على التوالي في الليلة الماضية و على نفس النحو بما يشبه السطو بمؤازرة السلطة العامة وقد غادروا المكان بمجرد قدومه.

إن الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين تدين بشدة هذه الممارسات الخرقاء ضد أحد أعضائها و تطالب السلطات المختصة بإجراء الأبحاث اللازمة حول هذه التجاوزات و بوضع حد لكل أشكال المضايقات.

عن الجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين
المنسق : المختار اليحياوي


اللقــاء الإصــلاحي الديمقراطــي
قرصنـة موقع "اللقــاء" وتحطيم محتويـاته
 

أقدمت أياد خبيثة صبيحة هذا اليوم بقرصنة موقع اللقاء وإتلاف محتوياته، وقد سبقته ليلة عويصة من محاولات الاستيلاء على مفاتيح الموقع كللت بنجاحهم.
وإذ نندد مجددا بهذا الفعل الرخيص والذي يؤكد على نفاذ صبر الاستبداد ومواصلة سياسة التعتيم والتكميم ومواجهة كل صوت حر بالاعتداء الجسدي أو النفسي أو المادي، بالعصا الغليظة أحيانا وبالتعذيب والتشريد أحيانا،  والقرصنة والتهشيم والمنع والمصادرة والإتلاف أحيانا أخرى، فإننا نجدد عزمنا على البقاء أحياء وعلى مواصلة الوقوف والمقاومة ولو حبس عنا الاستبداد الرؤيا وسعى إلى زجنا في الظلام.
إن هذا الفصل الجديد في تعامل الاستبداد مع أصوات الحرية والكلمة الطيبة والصادقة وضربه مجددا لموقعنا ليؤكد أننا على الطريق الصواب وأننا على الحق وأن خطابنا ومشروعنا بدأ يزعج ويثير العديد من أصحاب النوايا السيئة والصائدين في المستنقعات والماء العكر. خاصة وأن هذا الاعتداء جاء مباشرة بعد تنظيرنا لموضوع "نحو مفهوم جديد للحزب السياسي : اللقاء نموذجا" والذي أثار اهتمام بعض الكتاب والقراء داخلا وخارجا، والذي انتحينا فيه مشروع بناء يتجاوز المنحى السياسي للحزب ويرتفع به إلى منابر المدرسة الفكرية والمشروع النهضوي، ويعطي مخرجا لحالات الاستثناء والإقصاء التي يريد الاستبداد حشر كل صوت حر فيها، يريد البناء والوقوف.
خطأ الاستبداد أنه لم يفقه بعد أن إرادتنا من إرادة شعوبنا وإرادة شعوبنا من إرادة الله وأن إرادة الله لا تقهر..! خطأ الاستبداد أنه نسي أن الذي يربطنا بوطننا، وبأهلنا وبمشروعنا يتجاوز ذاتنا وإنما يتنزل في إطار من المسؤولية الواجبة تجاه هذا الوطن الحبيب وكل أهله الطيبين، مسؤولية يمليها واجب مقدس تجاه التاريخ والشعب، ونراها مدخلنا إلى طرق باب الجنة عبر العمل الصالح المصلح الذي نرتجيه، ويجعلنا لا نركن إلى صومعتنا أو محرابنا، أو نهادن أو نساوم من أجل عيش غير كريم، ولكن نعيش هموم الناس ونستشعر آمالهم، ونصطحب مشوارهم ونساهم في رفاهيتهم الروحية والمادية، بما حبانا الله به من قلم حر وصوت لن يرتجف.
خطأ الاستبداد أنه لم يفقه علاقتنا بالسياسة وبهموم الوطن، كل هم، كل حزن، كل شوكة، كل تنغيص، كل وقت نقضيه وراء الشاشة على حساب الأهل أحيانا، والصحة أحيانا أخرى إنما نرتضي به رضاء الله أولا ونريد به سعادة الوطن.
كلمتي إلى الاستبداد أننا لن نخنع، لن نيأس، لن نموت، وإنا هي الأيام دول، والتاريخ عِبَر، والأرض يرثها الصالحون المصلحون.

د. خـــالد الطراولي
اللقـــاء الإصلاحي الديمقراطي
باريس في 19 جوان 2007 / 4 جمادى الثانية 1427
إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل
دعــــــــــــــوة

تونس في 14 جوان 2007

 في إطار مواصلة تحركاته الاحتجاجية ،خاصة في ظل تعنت سلطة الإشراف و رفضها فتح باب للحوار الجدي مع إتحاد أصحاب الشهادات المعطلين عن العمل، قرر مناضلوا و مناضلات الاتحاد الدعوة إلى تجمع احتجاجي أمام مقر ولاية تونس و ذلك يوم الخميس 21 جوان 2007 الساعة h11
  هذا ويوجه الاتحاد  الدعوة إلى كل مناضلوا و مناضلات الحركة الديمقراطية و المجتمع المدني لحضور التجمع ومساندة حركة المعطلين وحقهم المشروع في العمل والحياة.
التنسيقية الوطنية
المنسق العام الوطني

سالم العياري
 

دعـوة ثم ماذا؟؟؟ ( 1 )
 

تناقلت الأوساط النقابية التونسية هذه الأيام خبر دعوة الأمين العام السابق للاتحاد العام التونسي للشغل إسماعيل السحباني يوم الأربعاء 13 جوان الجاري لقصر قرطاج لأمر مازال مجهولا حتى الآن ثم سفره من الغد إلى فرنسا في ضيافة إحدى المنظمات النقابية الفرنسية في مهمة نقابية غير رسمية.

وبعلاقة بذلك ظهرت العديد من الروايات والتحاليل والتفسيرات بعضها رأى في ذلك نية السلطة في العودة للتعويل على ورقة السحباني أو على الأقل لتحريكها ولو في شكل تلميحات لتخويف القيادة النقابية التي لا تحوز على رضاء السلطة وخاصة بعد الحركة الاضرابية التي شهدتها عدة قطاعات هذه السنة مثل التعليم بأصنافه والصحة والبريد والمالية.

ويؤكد الكثير من المقربين للقيادة النقابية أن هذه الأخيرة نفسها على اطلاع على فصول هذه "اللعبة" بل وقد لمّح بعض أعضائها لذلك في مناسبات سابقة وأنها أعدت جوابا على التطورات القادمة إن حصلت. وفي هذا السياق تروج أخبار متواترة حول اعتزام السيد عبد السلام جراد العودة منذ مستهل العطلة الصيفية إلى مسقط رأسه جزيرة قرقنة وتكليف عضده الأيمن علي رمضان بالأمانة العامة بالنيابة لمدة بضعة أسابيع أو أشهر كإجراء ترتيبي لانتقال سلس للقيادة داخل ما أصبح يصطلح عليه بأبناء "العشيرة". ومن العلامات التي يعتمدها البعض لتعليل تفسيراتهم هذه تحركات السيد علي رمضان في المدة الأخيرة إذ بات يتصرف في المنظمة كأمين عام فعلي من ذلك عدد الهيئات الإدارية التي أشرف عليها ومقابلاته لوزراء التربية والمالية والصحة...

دعـوة ثم ماذا ؟؟؟ ( 2 )

دعي في المدة الأخيرة الوزير السابق عبد الباقي الهرماسي لقصر قرطاج على ما يبدو للتشاور معه حول إمكانية تكليفه بالإشراف على وزارة التربية والتعليم بدلا عن الصادق القربي الذي فشل بصورة جلية في تسيير شؤون هذه الوزارة الحساسة وفي معالجة الملف النقابي في هذا القطاع من الوظيفة العمومية.

اعتداء على أستاذ

عمد أحد الأولياء من مدينة سيدي بوزيد (وسط البلاد) بمعية شقيقه وابنه إلى الاعتداء على أستاذ في مقهى على مرأى ومسمع من الناس لأن الأستاذ كان منع ابنه من الغش ("تنقيل") في إحدى حصص امتحان البكالوريا. وما أن أعلمه ابنه بذلك حتى ثارت ثائرته وهب لتعنيف الأستاذ مستغلا صفته كأحد قياديي الحزب الحاكم.

وردا على ذلك دخل أساتذة الجهة في حركة احتجاج تمثلت أولا في مقاطعة عملية إصلاح امتحان البكالوريا. وقد أوفدت النقابة العامة للتعليم الثانوي عضوها السيد سامي الطاهري إلى هناك للتعبير عن تضامنها مع الأستاذ المعتدَى عليه وعموم زملائه في الجهة ويُنتظر أن تتخذ المنظمة النقابية موقفا جادا في الموضوع.

اجتماع عام للصحافيين

عقد الصّحافيون بجهة تونس اجتماعا عامّا تمهيديّا من أجل الإعداد الجيّد للمؤتمر التأسيسي لنقابة الصّحافيين التونسيّين المنضوية تحت لواء الإتحاد العام التونسي للشغل وذلك يوم الجمعة 08 / 06 / 2007 مساء تحت إشراف الإتحاد الجهوي للشغل بتونس.

حضر عدد هام من الصّحافيين من بينهم السيد "لطفي حجّي" مراسل قناة "الجزيرة" بتونس ونقيب الصّحافيين التونسيّين وعضو هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات.

يرفض الصّحافيون اللجنة المعيّنة من قبل المكتب التنفيذي، وقد اتفقوا على اللقاء مجدّدا يوم 16 / 06 / 2007 لمزيد التشاور ومن أجل تكوين لجنة جديدة تح/ى بثقة الأغلبيّة توكل لها مهمّة النظر في مسألة الإنخراطات والإعداد الجيّد للمؤتمر.

هنيئا للصّحافيين التونسيين بهذا المولود المرتقب.

اعتصام نقابات المالية

نفذت النقابات الأساسية للمالية اعتصاما ضدّ الجامعة العامة للتخطيط والمالية بالمقرّ المركزي لإتحاد الشغل بتونس بطحاء محمّد علي، من مساء يوم الخميس 07 / 06 / 2007 إلى صباح يوم السبت 09 / 06 / 2007.

لقد كان الاعتصام حسب بعض المشاركين موجّها ضدّ الكاتب العام للجامعة السيد "الشاذلي البعزاوي" رأسا، وهم يتهمونه حسب بعض الشهود بالتفريط في مطالبهم – ومحاباة أقاربه، ويصرّحون أنهم لم يعودوا يثقون فيه، ويطالبون حسب ما ورد في شعاراتهم الحائطيّة بمشاركته في لجنة التفاوض مع الوزارة، وضرورة عقد هيئة إدارية تقييميّة بعد إضرابهم الأخير.

فكّ الاعتصام إثر تحدّث الكاتب العام للجامعة معهم ووعدهم بالنظر في مطالبهم.

الملفت للانتباه أن لا أحد من المكتب التنفيذي تحدّث معهم بل تجاهلوهم خاصّة أنهم يمرّون من جانبهم لأنّ مكان الاعتصام هو الإتحاد العام.

بعض النقابيين المطلعين على "الماكينة النقابية" فسّروا أمر عدم الاهتمام بقلة نيابات نقابات الماليّة.

أمر غريب، خاصّة وأنّ المعتصمين افترشوا "الكردونة" للمبيت ليلا.

يقول الشاعر : على قدر أهل العزم تأتي العزائم...

ونحن نقول : على قدر الوزن النقابي تأتي العطايا.

(المصدر: "البديـل عاجل"، من موقع حزب العمال الشيوعي التونسي بتاريخ 17 جوان 2007)

الباعة في نهج بومنديل يحتجّون
 

ما فتئ نهج سيدي بومنديل الذي ينتصب غير بعيد عن شارع السيادة بالعاصمة يشهد حالة من التوتر بين الباعة المنتصبين ببضاعتهم زهيدة الثمن من جهة، وبين أعوان الشرطة الذين يرصدونهم كي يحجزوا بضاعتهم. ومع حالة الكر والفر يمرّ يوم الباعة الشاق، ليحصدوا في ختامه بعض الملاليم التي يذهب بعضها رشوة إلى أعوان التراتيب البلدية، وهي لا تسمن ولا تغني من جوع.

لكن يوم الاثنين 11 جوان الجاري كان مختلفا حيث هاجم فيلق من أعوان البوليس الباعة وعاث فسادا في بضائعهم حجزا وبعثرة وإتلافا... وتمّ إيقاف العديد من الباعة وهم شبّان انسدّت أمامهم السبل ولم يبق لهم من منفذ سوى "الانتصاب للحساب الخاص". إلاّ أن ردّة الفعل قد فاجأت البوليس وأذهلته، حيث تجمّع العشرات من الباعة بعد أن تسلّحوا بما ملكت أيمانهم من عصيّ وقضبان حديد وهاجموا الأعوان الذين فرّوا في الأزقّة والأحياء المجاورة وطلبوا التعزيزات من قوّات التدخل التي حضرت في الحال لكن دون جدوى، فقد ربح الباعة المعركة مرّة أخرى وفرّت وحدات التدخّل، وبقى أصحاب الحق والمدافعين عن كرامتهم وكرامة المعدمين، يسيطرون على نهج سيدي بومنديل وأزقّته. وحتى تتمكّن قوّات البوليس من السيطرة على الوضع تمّ غلق كل الدكاكين الموجودة بالنهج بما فيها تلك التي يمتلك أصحابها رخصا من بلديّة المنطقة. كل ذلك تمّ تحت مراقبة سيارات تابعة لقوات الجيش الوطني؟؟؟

مرّة أخرى يقدّم نظام بن علي الدليل على فشل خياراته الاجتماعية، ومرّة أخرى يقيم أبناء الفئات الكادحة الحجّة على "بلد الرفاهة والأمن والأمان"، "بلد الخير الدائم"، الذي لا يرون من خيره إلاّ ما نهبته المافيا النوفمبرية، ولسان حالهم يغنّي مع الأزهر الضاوي "مْتَاعِي ومَالِي جِيُوبْ الغِيرْ..."، كما أنهم يدقون نواقيس الخطر، منبّهين إلى المصير الذي ينتظر البلاد إذا استمر الوضع على ما هو عليه.

ملاحظة عابرة: ما دخل قوات الجيش في احتجاج الباعة؟؟ أليس هذا مؤشرا على الاتجاه الخطير الذي قد تنزلق فيه البلاد؟


(المصدر: "البديـل عاجل"، من موقع حزب العمال الشيوعي التونسي بتاريخ 17 جوان 2007)

تونسيات لا يعارضن الجنس قبل الزواج

GMT 12:00:00 2007 الثلائاء 19 يونيو رويترز
تونس : قالت دراسة نشرت نتائجها يوم الثلاثاء ان بنتا واحدة من بين كل عشر شابات في تونس لا تعارض اقامة علاقة جنسية قبل الزواج مقابل اربعة من بين كل عشرة شبان.
واشارت دراسة أجراها ديوان الاسرة والعمران الى ان بنتا واحدة من بين كل عشرة في تونس لا تعارض اقامة علاقة جنسية قبل الزواج.
ونشرت صحيفة الصباح نتائج الدراسة يوم الثلاثاء وتتناول موقف وسلوكيات الشباب وقالت ان اربعة من بين كل عشرة ذكور وواحدة من كل عشر اناث لايعارضون ان تكون للشبان والشابات علاقة جنسية قبل الزواج.
 
(المصدر: موقع إيلاف بتاريخ 19 جوان 2007)

 

لمن يهمه مستقبل تونس

 

سليم بن حميدان

 

المتأمل في الحالة التونسية الراهنة يقف دون مواربة على حقيقة كساد الوضع وانتشار الإحباط وتوسع دائرة التخبط والقصف العشوائي المتقطع.

 

دعوات للمباطحة هنا وأخرى للمنازلة هناك، وبين غثيان الأولى وصراخ الثانية صمت حزين أو ترقب مرير نادرا ما تخترقه أصوات حرة أو أقلام مسؤولة تحاول في تواضع وإباء رسم معالم لخارطة طريق ثالث فيه السؤدد والخلاص والمستقبل الناصع الجميل.

 

لقد تحولت السياسة عندنا، سلطة ومعارضة، إلى أداة هدم وثأر واقتتال بدل أن تكون، كما هي وظيفتها الحضارية الأصيلة، فضاء بناء وتسوية وإجماع.

 

السلطة التونسية كما الأحزاب السياسية  والمنظمات النقابية والجمعيات الحقوقية والمواقع الافتراضية تتهاوى جميعا إلى مستنقع المحنة الكبرى.

 

الأنكى من ذلك كله هو غياب الوعي أو حضوره باهتا عن غير اقتناع بمسؤولياتنا الفردية والجماعية عن وضع العدمية والفوضى الشاملة التي نحث إليها الخطى في صلف وغرور.

 

السلطة التونسية تتغنى بإنجازاتها التاريخية وبالارتفاع المطرد لنسب النمو واستتباب الأمن وانتشار الفرح والتوسع التدريجي للمشاركة في الحياة العامة.

 

مقابل ذلك، تواصل المعارضة رحلة البحث عن الحل التاريخي بعد أن اقتنعت يقينا بخطأ السلطة وانتهاجها سياسة تعتبرها "إستبدادية" هي المسؤول المباشر عن كل الكوارث التي حلت بنا.

 

تتململ السلطة أحيانا عندما تتكثف عليها الضغوط "الخارجية طبعا" من أجل تنفيس الاحتقان لكي تعيد في كل مرة إحكام الطوق بأعنف من ذي قبل، محكومة برغبة سادية في الانتقام والتشفي بعيدا جدا عن منطق القانون والعقاب الذي تدعيه على غياب الجرم أصلا.

 

وتنتفض المعارضة أحيانا أخرى كلما استجمعت شتاتها لتصرخ وتستصرخ من حولها ثم تعود إلى مكاتبها الضيقة الباردة (إن كانت لها مكاتب) لكي تستعد لصياغة بياناتها الجديدة أو لجولات قادمة في النزال الأبدي مع خصمها العنيد.

 

إنها حصيلة عقود متتالية من التنابذ والنزاع وتراكم الأحقاد بين شركاء الوطن والمصير أفضت إلى تفكيك عرى التضامن الأهلي وتجويف الوطنية من معانيها السامية وأخلاقياتها النبيلة.

 

لقد جربت الدولة التونسية كل استراتيجيات الاحتواء والاستئصال والتدجين لمعارضيها فلم تتمكن من نيل مرادها وإن استطاعت إخماد نيران الغضب حينا فلتندلع أحيانا أخرى بأشد وأمضى فكان المغرم أفدح من المغنم بأضعاف كثيرة.

 

كما جربت المعارضة كل سياسات المواجهة والنقد والتحشيد فلم تنجح سوى في التعرية والفضح والإساءة لنخبة الحكم دون الاقتدار على توسيع هامش الحريات والديمقراطية فكان نصيبها من السجون والمنافي أكبر من حظها في المشاركة والتوجيه.

 

  أدوار أضحت علامة دالة على تخلفنا وضحالتنا بقدر ما أصبحت الدافع المغذي لحركتنا بل المعنى الوحيد في وجودنا.

 

 كوجيتو السلطة "أنا أستبد إذن أنا موجود" ونظيره في المعارضة "أنا أصرخ إذن أنا موجود"، ودون أن نساوي بين الوظيفتين فإن الحصيلة الثابتة إلى حد الآن هي العدمية لا الوجود.

 

 لقد آن الأوان لكي نقيم تجاربنا وننظر إلى كسبنا، سلطة ومعارضة، دون نرجسية عمياء ولا تملق مهين لأن البيت خرب متهالك، يوشك سقفه المهزوز أن يهوي على رؤوس من فيه فيقضي عليهم جميعا.

 

لقد قيل مثل هذا الكلام لصدام حسين ولمعارضيه في المنافي، كما قيل من قبل لبورقيبة وجمال عبد الناصر لكنهم أبوا جميعا إلا أن يهوي السقف على رؤوسهم مخلفا جراحات غائرة في قلوب شعوبهم أحبة كانوا أم أعداء.

 

في كل تلك التجارب دكت العروش ولم ينبلج النور بل ازداد الظلام سوادا والواقع فوضى والمصير تيها وضياعا.

 

لم يستطع أولئك القادة أن يصنعوا أمما متقدمة أو شعوبا عظيمة بقدر ما تركوا أوهاما من بطولات وغبارا من بشر تائها في رمال العالم المتحركة دون بوصلة أو دليل.

 

إن الانتصار على أنفسنا هو أعظم الانتصارات الوطنية ولا مصالحة مع الآخرين دون مصالحة الذات مع أنبل ما فيها أي قيم التواضع والصدق والمروءة.

 

 تواضعنا تجاه الآخرين يفرض علينا الاعتراف لهم بعجزنا عن المسير دون رفقتهم وأن البناء سيكون مختلا دون سواعدهم بل إننا نكون قطعا أغبياء إذا رفضنا جهودهم والحال أننا شركاء بيت واحد.  

 

وصدقنا معهم يحتم علينا الحكم على أعمالهم لا على نواياهم والصدع بالحق أمامهم.

 

أما المروءة فرجولة ونبل وشهامة تدعو للعفة عند الحاجة وللهمة عند المحنة وللعفو عند المقدرة تجسيدا لإنسانية الإنسان وقدرته الخارقة على تجاوز غرائزه وأحقاده.

 

وتنزيلا على واقع فإننا نعتبر إضعاف المعارضة أو أي فصيل فيها إضعافا للوطن كله وإن كان ذلك مكسبا آنيا لفرقائها أو للسلطة بمنطق الحساب السياسوي الساذج.

 

كما أن إضعافها هو إضعاف للقدرة التفاوضية مع قوى الدعم الخارجي التي تتوخى سياسة الابتزاز والمشروطية وتمنع أي انفتاح سياسي حقيقي على القوى الوطنية خشية تهديد مصالحها.

 

معنى ذلك أن قوة المعارضة ينبغي أن تستثمر كقوة تفاوضية في خدمة المصلحة الوطنية لا كتهديد مباشر لشرعية النظام.

 

وبغض النظر عن قبولنا بشرعية النظام من عدمه فإنه ينبغي علينا اليوم العمل على إعادة بناء السياسة على قاعدة توسيع الإجماع الوطني ليشمل كل الفرقاء.

 

مثل هذا الهدف يستوجب التهدئة الشاملة والوقف الفوري لإطلاق النار على كل الجبهات كما أنه يتطلب تحفيز كل الفاعلين الوطنيين والأصدقاء والشرفاء، داخل البلاد وخارجها، من أجل تحقيق وفاق وطني حقيقي وشامل يكون بوابتنا الآمنة لبناء دولة قوية مستندة إلى مجتمع مدني متيقظ لا إلى غبار من بشر.

 

كلامنا هذا نوجهه إلى كل وطني غيور، في المعارضة كما في السلطة، في السجن كما في البرلمان، في قرطاج كما في  باريس ولندن ... فهل يهمنا حقا مستقبل تونس ؟ 

 

إذا كان الجواب بالإيجاب فلنتنادى جميعا إلى كلمة سواء تكون فرحة جماعية وعيدا للوطن.

  

 


 

هل تخفي الاحتجاجات العمالية الأخيرة تململا سياسيا عاما؟

 

محمد الحمروني

 

شهدت الساحة النقابية في الفترة الأخيرة جملة من التحركات الإحتجاجية شملت قطاعات مختلفة من تعليم وصحة واتصالات وقطاع الخدمات، وهو ما دعا بعض المتابعين الى وصفها بنصف إضراب عام. ولم تجد السلطة أمام اتساع رقعة التحركات وشمولها لقطاعات واسعة ومتنوعة إلا التشكيك في دوافعها، فاتهمت القائمين عليها بتسييس المطالب وخدمة أجندات "حزبية ضيقة". في المقابل وجهت بعض الأطراف النقابية سهام نقدها إلى المركزية النقابية متهمة إياها بخدمة أجندة السلطة والتخلي عن مطالب العمال. إتهامات في هذا الاتجاه وذاك محورها التسييس فهل تَخْل التحركات الاخيرة فعلا من أبعاد ودلالات سياسية؟ وهل يمكن "للنقابي" ان يعيش في معزل عن "السياسي" وكأنهما منفصلين عن بعضهما، وكأن الاول لا يتحمل نتائج خيارات وبرامج الثاني؟ وهل ساهم الانغلاق الذي آتسم به المشهد السياسي في انزياح النقابي عن المطلبية المباشرة الى ملامسة الخيارات والتوجهات العامة للسلطة في بلادنا؟ وبالخلاصة ألا تمثل التحركات الاخيرة حالة من التململ والضيق العامين من الاوضاع السياسية؟

 

ولمحاولة الإجابة عن هذه التساؤلات لا بد من الوقوف على أهم ما ميز التحركات الأخيرة وهي كما نرى:

 

1 الاتساع ومحاولات التوحيد

 

فقد شملت التحركات الأخيرة جزءا كبيرا من الحيز الاجتماعي (أساتذة، معلمين، مرشدين، أساتذة جامعين، عمال المخابر، المغازة العامة، اتصالات تونس، أعوان الصحة) هذا دون الأخذ في الاعتبار التحركات الجزئية التي تتكرر في عدد من المصانع والمؤسسات مثلما وقع في قطاع الموانئ بصفاقس وفي بعض المقاطع والمحاجر وغيرها. وعرفت تلك التحركات تحولا نوعيا عندما بدأت قطاعات واسعة في التنسيق فيما بينها وشهدنا محاولات للقائمين عليها لجعلها متزامنة قدر الإمكان.  وبلغ التنسيق بين تلك القطاعات حد إعلان خمس قطاعات الاضراب في وقت متزامن اربعة منها في يوم واحد وشملت قطاع التربية بمختلف اسلاكه تقريبا. لتعطي بذلك لانطباع بان هذه الحركة الاحتجاجية بدأت في تجاوز القطاعي والمطلبي باتجاه ما هو أعم.

2 تجاوز المطلبية الضيّقة

إن اغلب التحركات التى بدت في ظاهرها مطلبية هي في الواقع إحتجاج على خيارات سياسية كبرى. فمن خلال متابعة الإضراب الأخير في اتصالات تونس بدا واضحا أن الإحتجاج الحقيقي لعمال الشركة كان على سياسة الخوصصة التى تتهدد حسب رأيهم عددا كبيرا من مواطن الشغل بمؤسستهم، رغم ان الظاهر في تلك الحركة كونه مطلبية تتعلق بالمنح وتحسين أوضع العاملين.

ونفس الشيء في قطاع التربية تقريبا فرغم ان المطالب كانت منحصرة في "الظاهر" في منحة العودة ووضعية أساتذة التربية البدنية والنقل فإن التذمر الكبير يعود أساسا إلى إصرار وزارة التربية على الانفراد بالقرار وخاصة فيما يتعلق بالسياسات والخيارات التربوية الكبرى بالبلاد. المعلمون والأساتذة الجامعيين يرون انهم جزء من العملية التربوية وبالتالي من حقهم أن تقع استشارتهم خاصة عند وضع السياسات التربوية الكبرى في البلاد. فالإحتجاج على التطبيع وعلى التوجهات غير الوطنية للخيارات التربوية وعلى عمليات الخوصصة التى تجري حسب العمال دون مراعاة لمصالح العليا للبلاد كلها احتجاجات تأخذ طابعا مطلبيا ولكنها في العمق تحركات تلامس السياسي بشكل كبير.

 

ان اتصاف الحركة الاجتماعية الاخير بالاتساع وتجازها في اغلب لاحيان المطلبي والاني الى المطالبة بالمشاركة في ضع الخيارات والتصورات الكبرى للقطاعات يمثل ولا شك دليلا على ان هذه الاحتجاجات تتجاوز ولا شك ابعادها النقابية الضيقة لتصبح ذات مدلولات سياسية تتلخص في التذمر من الظروف الاجتماعية المتدهورة  التى اصبحت عليها عديد الفئات بما اضعف قدرتها الشرائية، وتململ من وضع سياسي أهم مميزاته الانغلاق وغياب اية مؤشرات على امكانية تغيير الاوضاع.

 

النزوح نحو النقابي

وكان من النتائج المباشرة لهذا الانغلاق السياسي نزوح عدد كبير من الناشطين الى العمل النقابي، حتى اصبحت المنظمة كما قال احد النقابيين "تعويضا" بالمعنى النفسي عن الحرمان الموجود في الساحة السياسية. تعويض قد يقع تصعيده ليصل الى نوع من الممارسة السياسية من خلال الاطر النقابية خاصة إذا ترافق ذلك التصعيد "للحالة السياسية" مع ظرف موضوعي كتدهور القدرة الشرائية او حالة مطلبية ما لبعض او لعدد من القطاعات النقابية. وتتخذ الابعاد السياسية اشكالا واضحة في مناسبات معينة كغزو العراق مثلا او دعوة شارون او حرب لبنان. ولكن هذه الابعاد تصبح كامنة في سائر الايام رغم انها حالة قائمة وتتخذ من المطلبي ومن جملة التحركات القطاعية أشكالا غير واعية احيانا للتعبير عنها.

 

تفاعل النقابي والسياسي

لقد عبر النقابيون عن تفاعل كبير مع تطورات الحياة السياسية ببلادنا، فوقفوا مع الرابطة في صراعها من اجل عقد مؤتمرها وحاولت بعض الجهات التابعة للاتحاد فتح ابوابها امام مناضلي الرابطة، خاصة وان عدد كبيرا من القيادات والقواعد النقابية هي إما منخرطة في نشاط الرابطة او هي متعاطفة معها. كما تفاعلت الساحة النقابية مع تحرك 18 اكتوبر للحقوق والحريات وقامت بعض الوجوه النقابية البارزة بزيارة المضربين في مقر اضرابهم وعبرت عن مساندتها لهم ولم تكد تنقطع الوفود النقابية عن زيارة المضربين يوما واحدا. وهذه كلها اوجه على كل حال من تقارب الساحتين وتفاعلها مع بعضهما بما يجعل احيانا من الصعب وضع حدود فاصلة بينها.

ويرفض النقابيون عامة ربط تحركاتهم بخلفيات سياسية رغم إقرارهم بالتأثير الكبير للخيارات الاقتصادية والسياسية الكبرى في البلاد على اوضاعهم الاجتماعية، خوفا ربما من تهمة التسييس التى عادة ما ترمي بها السلطة خصومها. ولكن هذا الرفض لا يمنع من وجود اصوات كثيرة داخل المنظمة ترفع الصوت مطالبة بأن يلعب الاتحاد ادوارا وطنية اكبر. ولا ينفك هؤلاء يذكرون بالمقولة الشهيرة لحشاد والتى قال فيها " اننا ندافع عن العمال ولكن لنا مهة وطنية ايضا وهي التحرير". ويطالب هؤلاء بان تواصل المنظمة لعب نفس الأدوار اي ان تدافع عن العمال مع استبدال مهمة التحرير بمهة جديدة هي الحفاظ على المكاسب الكبرى للوطن والمشاركة في وضع السياسات والخيرات الكبرى للبلاد.

 

هذه هي الصورة إذا: واقع سياسي مغلق وهروب المناضلين نحو العمل النقابي في اطار منظمة يعتبر اغلب ابنائها انها لعبت ادوار وطنية (التحرير وبناء الدولة) وقيادة نقابية قصرت ادوارها الوطنية في المحافظة على السلم الاجتماعية. في المقابل عمال تدهورت قدراتهم الشرائية وبقوا لوحدهم يواجهون نتائج الخيارت السياسية. كل ذلك اعطى للتحركات الاخيرة ابعادا سياسية عميقة  (أي غير) مباشرة فالتحركات النقابية الاخيرة مطلبية بشكل كامل ولكن الخلفية الاعمق لهذه الصورة سياسة بامتياز " فكل شيء يصب في السياسي".

 

حملة واسعة ضد نقابة للصحافيين

محمد الحمروني

 

 عقدت يوم الجمعة الماضي نقابة الصحافيين اجتماعها التحضيري للمؤتمر الأول للنقابة بمقر اتحاد الشغل. وبحضور عدد كبير من الصحافيين وإشراف الأخ على رمضان الأمين العام المساعد المكلف بالإدارة تداول الصحافيون على الكلمة ليتناقشوا في قضاياهم وهي المرة الأولى منذ سنوات طويلة تتاح فيها مثل هذه الفرصة لأبناء القطاع. وفي حين اعتبر بعض الحاضرين الجلسة لحظة تاريخية هامة أكد آخرون  على أنها حلم بدأ يتحقق.

إصرار المركزية

وشدد رمضان إصرار الاتحاد على تكوين نقابة للصحافيين صلبه، معتبرا ان  هذا التمشي يندرج ضمن السياسة التي أقرتها المنظمة خلال  المجلس الوطني الذي انعقد بطبرقة قبيل عقد مؤتمر المنستير بقليل، والمتمثلة في فتح الباب أمام فئات مهنية جديدة للانضواء داخل المنظمة. وهو ما تطلب إدخال تغييرات هيكلية بما يمكن من استيعاب فئات مثل الفنانين والمهندسين والصحفيين. ولاحظ الامين العام المساعد أن الهدف من الجلسة، وهي الأولى مع الصحافيين، هو الاستماع الى آراء أصحاب المهنة ومعرفة وجهات نظرهم المختلفة في كل القضايا التى تخصهم، ومن بينها تحديد مجالات تدخل النقابة وصلاحياتها وعلاقتها بالنقابة المستقلة التى يترأسها الأخ لطفي الحجي وبجمعية الصحفيين التونسيين. وذكر رمضان بالمراحل التي مرت بها المساعي لتكوين هذه الهيئة والجلسات التى انعقدت بين قيادة الاتحاد ونقابة الصحافيين المستقلة مشددا خاصة على اللقاء الذي جمع المركزية النقابية بممثلين عن الفدرالية الدولية للصحفيين (fij).

 

حملة على النقابة

واكد محمود الذوادي الكاتب العام لنقابة الصحافيين المستقلة على الهرسلة التي مارستها دور الصحف الرسمية بهدف منع منظوريها من حضور اجتماعات تأسيس النقابة. كما تحدث عن العرائض التي تم توزيعها ونشرها، بنفس الصيغة، في عدد من الصحف بهدف عرقلة ما اعتبره الحدث التاريخي المتمثل في الانتماء إلى منظمة تاريخية عريقة بحجم اتحاد الشغل وتحقيق الحلم المتمثل في تأسيس نقابة يكفيها شرفا أن أول من طالب بتأسيسها هو الشهيد فرحات حشاد.

 

أما محمد معالي عضو النقابة المستقلة فأكد على أن المسار الذي اتخذته مجريات الإعداد لانضمام للاتحاد الشغل يؤكد "أننا أصبحنا نعمل من خلال هذه المنظمة العريقة". وشدد على أن اغلب الصحافيين هم أبناء الاتحاد ومناضلوه وان ليس لأحد الحق في التدخل في شؤونهم أو مطالبتهم بتقديم كشف حساب مهما كان ولأي كان. واعتبر معالي أن هناك من يزعجهم العمل النقابي لذلك فهم لن يتوانوا في محاولة عرقلة النقابة الوليدة. وتاتي كلمة معالي ردا على ما بدا انها حملة منظمة من طرف بعض صحافي الدور الرسمية وشبه الرسمية الذين اتسمت تدخلاتهم بنبرة حادة تجاه المنظمة بلغت درجة الدعوة الى مساءلة قيادة الاتحاد عن سبب فتحها الباب امام تكوين نقابة للصحافيين.

 

مشاغل بالجملة

أما تدخلات الصحفيين فأكدت في مجملها على:

1 – أن وجود نقابة منضوية تحت لواء اتحاد الشغل مكسب تاريخي لا بد من العمل على انجازه. ولكن المتدخلين أكدوا ايضا على ضرورة أن يقع تدارس تاريخ المؤتمر جيدا حتى لا "نقع في التسرع". كما شددوا على ضرورة التأكد من الانخراطات حتى لا يقع إلحاق كل من "هب ودب بالنقابة". وفي هذا الكلام إشارة إلى عملية التجييش التي قامت بها بعض المؤسسات الصحفية بإلحاق عملة التنظيف والحراسة والسائقين، بالصحفيين المحترفين لضمان اكبر عدد ممكن من الأصوات.

2 – ضرورة التفريق بين الأدوار التي يمكن أن تلعبها النقابة وما يمكن أن تقدمه جمعية الصحفيين التونسيين من خدمات لأبناء المهنة. وأكد عدد من المتدخلين على أن لا تضارب بين النقابة  وما يمكن أن تلعبه الجمعية من ادوار. وفي هذا الاطار أوضح الكاتب العام للاتحاد الجهوي بتونس كمال التواتي أن عديد النقابات انخرطت في الاتحاد مع المحافظة على هياكلها الاصلية كما حدث مع المهندسين الذين لم يمنع وجود عمادة خاصة بهم من تكوين نقابة تمثلهم.

3 – توضيح العلاقة بين النقابة الوليدة والنقابة المستقلة التي يترأسها الأخ لطفي الحجي، وفي هذا الإطار تم التأكيد على ان النقابة المزمع بعثها صلب اتحاد الشغل ستلغ آليا وجود النقابة الأخرى. ولكن متى؟ هذا التساؤل طرحه الأمين العام المساعد على رمضان في كلمته عندما قال : نحن طالبنا المشرفين على النقابة المستقلة بإعلان حلها ببيان واضح وعلني لا يترك لبسا يمكن ان يفهم منه وجود نقابتين.

 

وتناولت بقية التدخلات الظروف المهنية والسياسية الصعبة التي يمر بها الصحفيون، وتدهور أوضاعهم المادية وغياب التغطية الاجتماعية لشريحة هامة منهم إضافة إلى الاستغلال المفرط الذي يتعرضون له. أما فيما يتعلق بالجانب المعنوي او ما يعرف بظروف ممارسة المهنة فتحدث المتدخلون عن ما يتعرض له الصحافيون عامة من منع وحجر للمعلومة ورفض تسليم بطاقة الاحتراف لكل العاملين في الصحف المعارضة تقريبا، اضافة الى الرقابة المستمرة والحرمان من أبسط الحقوق السياسية والمدنية.

 

(المصدر:" صحيفة "الموقف" (أسبوعية – معارضة)، العدد 410 بتاريخ 15 جوان 2007)

 


ضرائب اللاّديمقراطيـة
"إثراء غير مشروع للأثرياء و إفقار لا مبرّر له للفقراء"
 
 
"يـستحدث صاحب الدولة أنواعا من الجباية يضريها على البيعات، و يفرض لها مقدارا معلوما على الأثمان في الأسواق، و على أعيان السلع في أموال المدينة .... و يزيد ذلك في أواخر الدولة زيادة بالغـة، فتكسد الأسواق لفساد الآمال، و يؤذن ذلك بإختلال العمران". مقدّمة إبن خلدون، الفصل39 في ضرب المكوس أواخر الدولة.
"أقـوى الأسباب في الإعتمار تقليل مقدار الوظائف على المعتمرين مـا أمكن". مقدّمة إبن خلدون، الفصل38 في الجباية و سبب قلّتها و كثرتها.

 
طـارق الـعبيـدي*
talabidi@yahoo.fr

إن المراقب لما يجري على الميدان الجبائي في تونس منذ إنطلاق سياسة التقويم الهيكلي إلى الآن، يظل طريق الوقوف على ضوابط منهجية يمكن أن يقوم عليها النظام الجبائي غير منطق إقتصاد العولمة، المتعامي دائما عن الجوانب الإجتماعية، و تأجيلها إلى ما وراء أولويّات تكوين و تـراكم رؤوس الأمـوال الوطنيّة الخلاّقة للأوعية الجبائية. متعلّلا في ذلك بالنظريّة القائلة بأنّ الضرائب ما هي إلاّ مشتقّا إقتصاديا. و أنّه كلّما راج و نمى الإقتصاد نمت مشتقّاته الجبائية، و غطّت بالتالي الجوانب الإجتماعية.
 لكن دولة الخمسون سنة من الإستقلال ذاهبة دائما نحو الإنحدار الإجتماعي، و الإشتقاق الوحيد الذي جناه شعبها عبر الجباية المستحدثة، التي هبّت بها رياح العولمة، هو إرتفــاع بطالـة أبناؤها، و تزايد نسق وتيرة فقر شرائحه السفلى، أمام بروز الثراء الفاحش لشرائحه العليى، نتيجة التوزيع غير العادل للثروات الوطنية، التي نشأت و تكوّنت منذ أواخر الإستعمار إلى الآن.
 فبدء بمشروعية الضرائب و شرعيتها وصولا إلى وظائفها، مـرورا بإدارتها و نزاعاتها، لن تستنتج ملامحا إجتماعية سليمة، و لا حتّى إقتصادية متوازنة. و إن كان لا بد من محصلة أراء رئيسية يجب أن يستخلصها المهتمّون عن وعي بالسياسة الجبائية، فهي أنّ الدّولة التي خلّفها الإستعمار إستمرّت في علاقاتها المالية مع مواطنيها المكلفين و المطالبين بالضرائب، و بفعل نظامها الجبائي المختل و الفاقد لأسس السياسة السليمة، مصدرا للإثراء و الإفقار على مستويين: الأول منها و إليها, حيث يطغى التهرّب و التحيّل الجبائي، فتثرى فئة من المكلفين بالضرائب على حساب الخزينة العمومية. و تلجأ الإدارة الجبائية، القابعة في خندق التخلّف الإداري منذ إستقلالها، إلى أقدم النظـريات في الضرائب و هي الجبرية، فتتعسّف و تحابي في التوظيف الجبائي الإجباري، تحت وطأة إفتقارها للإمكانيات البشرية الوطنية الواعية المسؤولة المتخصّصة. و تثري من ثمّ الدولة على حساب الفئات الأضعف من المكلفين بالضرائب.
 أمّا المستوى الثاني، فهو من الخاضعين بالضرائب و إليهم, حيث تنعـدم العدالة في الضريبــة و بواسطتها، و يعفى تماما أو يحابى رأس المال من الضرائب إلى أدنى الدّرجات، على حساب العمل و الإنفاق الشعبي الذي يتحمّل أقصى درجات التضحية و يساهم بنحو 80% من المحصول السنوي لجباية، أغلبها عوائدا للضريبة على القيمة المضافة، التي تتخفّى في طيّات أثمان السلـع و الخدمات، و لا تفرّق بين الغني و الفقير و لا بين الطالب الجامعي و رجل الأعمال. فـتفقر معظم شرائح المجتمع، لا لأجل إثـراء الخزينة العمومية و من ثمّ التضحية لفائدة المنفعة العامّة، و إنّما لأجل الإغتناء غير المشروع لأعلى الشرائح الإجتماعية، التي حابت السياسة الجبــائية رؤس أموالها عبر إعفائها من الضرائب، بغية نمائـــهـا و تراكمها و تشجيعها على الإستثمار، فـأدمنت المحاباة و جعلتها هدفا بدل الإستثمار و الإنتـاج، و لم تستطع بحكم الآثار البديهية للإدمان العيش بدونها. (راجع في هذا الإتجاه مقالا للإقتصادي اللبناني جورج قرم، بعنوان "متى يتحقّق الإصلاح الهيكلي للقطاع الخاص في العالم العربي؟"، منشور في لوموند ديبلوماتيك عدد خاصH 28 ماي1995).
و هذه الملاحظة الأوّلية، هي نتاج مختلف الدّراسات و البحوث القانونية منها و الإقتصادية، التي سعت إلى وصف و تشخيص العلل الكامنة منذ الإستقلال في الأنظمة الجبائية للبلدان السائرة في طريق التنمية و منها تونس (راجع على سبيل المثال رسالة دكتوراه مميّزة للإقتصادي المغربي نجيـب أقصبي نشرت سنة 1993 في كتــاب بعنوان l'Etat, l'impôt et l'ajustement). و رغم أنّها نادت بوصفات طموحة لإستئصال العلل، فإنّها إقتصرت على الحلول التقنية، حيث بشّرت في آخر مراحلها بالشفاء عبر إعتماد الضرائب التركيبية العامّة، المصنّفة وفق المعيار الإقتصادي إلى ضرائب الدّخل و ضرائب الإنفاق و ضرائب رأس المال. و أحدث صورها الحديثة الضريبة على دخل الأشخاص الطبيعيين(I R) و الضريبة على الشركات( I S) و الضريبة على القيمــة المضافــة(TVA). و هي الضــرائب التي أطلق عليها في بدايـــة الثمـــانينات فقيه القانون الجبائي الفرنسي جون كلود مارتنيــز تسمية الثلاثية الجبائية العالمية(la trilogie fiscal international)، في إشارة إلى أنّها الضرائب الرسمية للإقتصاد الجديد للعولـمة.(راجع كتابه بمعية بيار ديمالتا منشور في جزئين سنتي 1986 و 1989 تحت عنوان droit fiscal contemporain).
و بإقتصارها على حلول التقنية الجبائية، تكون تلك النظريّات و الدّراسات قد تجاهلت أهم ما في الضرائب من قيم، بإعتبارها المخزن الفعلي للديمقراطية. حيث كانت عبر التاريخ مبعثا لأوّل جهاز تمثيلي في العالم الحديث، و هو البرلمان الإنجليزي. فالضريبة التي أوجدت البرلمان، و كانت السبب الرئيسي إن لم يكن الوحيد لنشأته، تكون هي و الديمقراطية وجهان لعملة واحدة.
 فـالتقنيات الجبائية الحديثة التي إستوردتها الدولة التونسية، كغيرها من البلدان التي خضعت لسياسة التقويم الهيكلي التي صبّت جام إهتمامها على الجباية و الضرائب، فكان الإصلاح الجبائي الماراطوني الذي إنطلق بسنّ الضريبة على القيمة المضـافة سنة 1988 و إنتهى بإرساء نظام تقاضي جبائي سنة 2002، أوكل لمحاكم عادية قضاتها غير مختصين في النزاعات الجبائية و لا حتّى الإدارية. فلم نجني من كلّ ذلك غير تبسيط الإجـراءات الجبائية و إضفاء الشرعية القضائية الشكلية على قرارات الإدارة الجبائية المجحفة دائما في التوظيف الإجباري.
 و عدى ذلك، فإنّ الأهداف الإجتماعية الكبرى التي بشّرت بها تلك السياسة الجبائية كانت ذرّا للرّماد في العيون، و لا أدلّ على ذلك أنّ شرائح الدّخل و النسب التصاعدية للضريبة التي تطولها بقيت على حالها كيفما سنّها قانون ضريبة الدّخل الصّادر قبل نحو عشرين سنة (الفصل44 من قانون عـ114ـدد لسنة 1989). و رغم النموّ الإقتصادي المضطرد، و التراكم الإقتصادي الممركز و المتواصل منذ نهاية الثمانيــنات، و الذي أوجد أقطابا إقتصادية و تجارية في جهات على حساب جهات أخرى، فإنّ جدول الشرائح و نسب ضريبة الدّخل و نسق تصـاعدها لم ينقّح و لم يحيّن بالتناسق مع الطفرة الإقتصادية. و كأنّ فشلا أو ركودا أصاب الإقتصاد و أبقاه على نفس الحالة التي صدر فيها قانون ضريبة الدّخل سنة 1989. و الأغرب من ذلك، أنّ محصول الضرائب غير المباشرة و منها الضريبة على القيمة المضــافة في تصاعد مستمر، و التنويـــع كما الترفيع في أسعارها أصبح مألوفا. يضاف إلى ذلك، أنّ ظاهرة المعاليم الشبه الجبائية آخذة في البروز العشوائي و غير اللاّئق، مثلما هو حال معلوم التامبر الجبائي الذي طال حتّى بطاقات شحن الهاتف الجوّال مسبق الدفع.
من المخزي حقّا، و بعد مضي نحو عشرين سنة على سن قانون ضريبة الدّخل، أن يكون التنقيح الوحيد الذي جلب إنتباهنا للفصل44**، هو ذلك الذي أرسى دعائم الجزية (ضريبة على الرؤوس) المحرّمة في السياسة الجبائية العصرية، لتناقضها مع مسعى إرساء العدالة الجبائية الإجتماعية عبر نظرية الضريبة التصاعدية على شرائح الدخل. ممّا يوحي بأنّ التقنيات الحديثة، التي لا ننكر سلامتها كتقنية جبائية، لم تسنّ في الحقيقة إلاّ إستجابة لمستلزمات إقتصاد العولمة، المفروضة على من إنخرط فيها طوعا أو خضع لها كرها. و هي و إن كانت ضرائبا متطوّرة تقنيا، لم تحمّلها السياسة الجبائية أولويات الجوانب الإجتماعية، التي ستبقى مؤجّلة إلى ما لا نهاية، ما لم ننتبه إلى أهم القيم الحقيقية في الضريبة، و هي الديمقراطية كمعيار للتوازن بين المصالح الإقتصادية و المتطلّبات الإجتماعية.
إنّ الدّراسات و البحوث العلمية التي تناولت الضريبة كانت رفيعة المستوى و فائقــة الإحترام و التقدير, و شخّصت العــلل الكامنة المستديمة في النظام الجبائي التونسي, إلا أنّها لم تنبّهنا إلى أهم ما في الضريبة، و هو أنّها كانت و لا زالت المنشأ الفعلي للأجهزة التمثيلية، التي تـأخذ منهـا مناقشة الميزانية و التصويت عليها ثم مراقبة تنفيذها الجهد و الوقت الأوفر. و من ثمّ، يجب أن تمرّ الضرية بأجهزة الدّيمقراطية لتتوازن جميع المصالح و تكون مقبولة من كـــافة مكوّنات الشعب، و يرضى بدفعها طواعية لا كرها عبر التوظيف و جبرا بواسطة الجبي.
فالرّجوع بالضريبة إلى حقيقة و جودها، حيث عرّفها الفقية جون كلود مارتنيز بأنّها "تغطية تقنية لظاهرة سياسية" هو الحل الأمثل. لأنّها تعكس صراع مـصالح مختلف الهيئات و القطاعـــات و الشرائح الإجتماعية. و عبرها، يحاول كل طرف تحمّل أقلّ ما أمكن من العبء الجبائي، بناء على قوته و مركزه في النشاط الإقتصادي و الإجتماعي، و مدى تأثيره على السلطات العمومية عبر السيطرة السياسية. و من حيث أنها تقنية، تكون الضريبة إختصارا لتطاحن المصالح, التي أصبحت تمتصها الممارسة الديمقراطية في المجتمعات المتقدّمة. و في المجتمعات المتخلّفة التي تفتقر إلى أجهزة فعلية للديمقراطية، كلّ طرف يحمي مصالحه بطريقته الخاصّة. فمن المكلّفين بالضرائب من يعتبرها مفروضة عليه، لا تراعي معتقداته و مصالحه الإجتماعية، فيلجأ إلى التهرّب و التحيّل الجبائي، إمّا طمعا في الكسب السريع الذي يعوّض به عن إنتهاك مصالحه، كإفتقاره للتغطية الإجتماعية أو عدم جدواها، و إمّا مقاومة للجابي المكّاس الذي قطع إتصاله تماما بالتراث الوطني، فيعمل المكلّف أو المطالب بالضريبة المتشبّث بذاك التراث بالمثل الشعبي القائل "لكلّ من نجح في مقاومة جابيا مكّاسا أجر عند الله"***. و هناك من يحمي مصالحه بأقدم الطرق التي إبتكرها الإنسان في مراحل إنحطـاط الدّولة. و هذه الأخيرة، تجد في الضرائب غير المباشرة المتخفّية في أثمان السلع و الخدمات أفضل حمـاية لصالح ماليتها، و في التوظيف الإجباري و الجبي الكرهي الطريق الوحيد لضمان تغذية الخزينة العمومية.
من هنا، لا تنشأ الضريبة في تونس و في البلدان الشبيهة لها طبقا لقواعد الوفـــاق و التوازن بين مختلف المصالح, لأنّها مغيبة تماما من الساحة السياسية، و لم تدرج كجوهر فعلي  للهيئات التمثيلية. و هو تناقضا صارخا مع ما أصبح للضريبة من مكانة هامّة ضمن مسار الديمقراطية في الأنظمة السياسية المعاصرة، التي غالبا ما تكون الجباية فيها أهم محورا في الحملات الإنتخابية أثناء التنافس على الوصول إلى مراكز السلطة و القرار.
و يتأكد ذلك بمجرد ملاحظة أن كلّّّّ مشاريع القوانين الجبائية تتمّ بمبادرة السلطة التنفيذية, و أن قوانين الضرائب تخرج من البرلمان بنفس اللّباس الموضوعي و حتّى الشكلي الذي دخلت به إليه عندما كانت مشاريع قوانين****. ما يجعل الضريبة من هذا المنطلق تسير في إتجاه عكسي فعلي، أي أنّها "تغطية سياسية لظاهرة تقنية مفروضة أكثر منها مقبولة". لأنّ السلطات العمومية ذات اللّون السياسي الواحد أو ذات ألوان الزّينة السّياسية الإصطناعية، لا تعمل على إستيعاب الظّاهرة السياسية بواسطة الضرائب، و إنّما تعمل كمجرّد مروّج لسلع جبائية مستوردة، و في الغالب مقلّـدة لا تناسب مقاييس و أذواق شعوب بلدانها. و النتيجة الحتمية تكون في نهاية المطاف، نـشوء و تكاثر و إرتقاء علل أخرى أكثر تعقيدا على جميع المستويات النظرية و العملية للأنظمة الجبائية.
أضف إلى كلّ ذلك، أنّ للجانب الثقافي التاريخي في الضريبة دورا في نجاحها. و هو أمر تستعصي نوعا ما إثارته للقرّاء أمام التقدّم الكبير الذي عرفته العـلوم و التقنيات الجبائية، و طغيان مبادئ الإقتصاد الجديد و سياسة العولمة. إلا أن ذلك لا يستحيل سياسيّا، خاصة و أنه هناك تيارا غربيا حديثا في العلوم السياسية يزكي هذا الإتجاه، و يتزعمه عميد سابق لجامعة جورج واشنطن في محاضرته التي ألقاها بكلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس ربيع سنة 1997 تحت عنوان "الدّستورية و الديمقراطية في العالم العربي"*****، و التي دعى فيها إلى إعادة بناء الدّساتير العربية على أنقاض تراثها الوطني، تأمينا لبيئة نجاحها. و من  هذا المنطلق، يمكن إبراز عدم إتصال الضريبة في تونس كما في جميع البلدان العربية تقريبا، بالتراث الجبائي الوطني كأحد أهم الأسباب الرئيسيّة في تغذية نشأة عديد عراقيل أنظمتها الجبائية. فعدم الإتصال يساهم في محو الثقافة الجبائية و الوعي الضريبي لدى كل العناصر الفاعلــة، و خاصة الخاضعين للضرائب منبع إدرار الجباية. فالمطلوب هو تـــطوير الثقافة الجبائية و ترقيتها عبر التقنيات الحديثة، لا محوها و إبدالها بأخرى. علما بأنّ إدخال ثقافة جبائية جديدة، يجب أن يراعي و لو بصفة ميكيافيلية المراحل السابقة التي بلغتها الضريبة في الضمير الجماعي للمكلفين بها.
و ليس غرضي من وراء هذه المقاربة العودة بالنظام الجبائي التونسي إلى الضرائب القديمة الجـائرة و إدارتها التحكّمية, و إنما هو إعمال الثقافة الجبائية و التــراث الضريبي و ضرورة مراعات إتصالهما مع كلّ إصلاح جبائي. سيّما و أنّ نجاح الضريبة في البلدان المتقدمة يعود إلى إستمرار جذورها في أنظمتها السياسية العريقة. و لا يعتبر تطور الضريبة في البلدان السائرة في طريق التنمية، و منها تونس و البلدان العربية جميعا، تطورا نحو الإستفادة من العلوم و التقنيات الجبائية الحديثة و إرساء العدالة الجبائية، بقدر ما هو تطورا نحو المحاكات الشكلية للأنظمة الضريبية المتقدمة. و هو ما لا يؤدّي إلى وضع الضريبة على سكة الإنطلاقة، و إنما إلى قطع المراحل التاريخية الوطنية الطويلة التي بـــلغتها الضريبة و العودة بها إلى المرحلة الأولية، و هي بحكــم محو ثقافة جبائية و إدخال ثقافة أخرى مرحلة الصفر.
إن المفاهيم و المصطلحات و الآليات الجبائية الكامنة في الضمير الجماعي للمكلـفين بالضرائب، و القوى السياسية ذات الجذور الثقافية الوطنية تلعب دورا أساسيا في نجاح الضريبة، عند تطعيمها بمفرزات العلوم و التقنيات الجبائية الحديثة و المتطورة. فــالعولمة و الشراكة و التكتلات الإقليمية و التنمية المستديمة هي مفاتيحا إقتصادية لأبوابنا الخارجية، أمّا الجباية فهي المفتاح الإجتماعي الوحيد لأبوابنا الداخلية، التي ضلّت موصدة لأنّها لا تفتح بغير ضرائب الدّيمقراطية ..... هذه الضرائب ليست مشتقّا إقتصاديا كما درج عليه رجال الإقتصاد و سايرهم فيه رجال المالية العمومية و القانون الجبائي، و إنّما هي مشتقّا سياسيّا. و لأنّها كذلك، ستكون حاجزا منيعا ضد المـركزية الإقتصادية و التجارية و تـضع حدّا لضغط جبائي آخذا في الإرتفاع المستمر منـــذ سنة 1990  في إتجاه الـ 30% ******، و يقع بكامل ثقله على قوى العمل و الإنفاق الشعبي. و هذه الضرائب، ستسعى فطريا إلى إعادة توزيع الثروة الوطنية بالعدل على الجهات و القطاعات و الشرائح الإجتماعية التي حرمت منها طيلة نصف قرن من الإستقلال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* محام تونسي مباشر منذ سنة 2000، أنجز بـحث نيلـه إجـازة الحقـوق و مذكّرة نيله شهادة الدراسات المعمّقة على النظام الضريبي التونسي، و أنجز محاضرة ختم تمرينه في المحاماة على الإثبات في القانون الجبائي التونسي.
** الفصل 44 من قانون ضريبة الدّخل هو البند الذي نص على جدول الضريبة على الدّخل، و قسّم شرائح الدخل إلى 6 : من 0 إلى 1500 إلى 5000 إلى 10000 إلى 20000 إلى 50000 دينار، و توافقها النسب التالية للضـــريبة 0% و 15% و 20% و 25% و 30% و 35%.
*** المثل الشعبي بالعامية التونسية: "اللّي يقلب مكّاس عندو أجر عند ربّي". و هو مثلا رائجا يقال كتعبيرا مجازيا على عدم شرعية المكوس و جواز مقاومتها.
**** درجت الأوساط العامة المغاربية على التعبير على إستياء شعوبها من هيئاتها التمثيلية و ذلك عبر التهكم في المملكة المغربية على أنّ "المبادرة البرلمانية الوحيدة في تاريخ البرلمان المغربي، كانت من أجل رفع أجور النواب البرلمانيـين"، و التهكّم في الجمهورية التونسية على أن "المبادرة البرلمانية الوحيدة في تاريخ البرلمان التونسي كانت من أجل إسناد الرّئاسة مدى الحياة للرئيس السابق الحبيب بورقيبة".
***** أحدثت هذه المحاضرة ضجّة داخل الأوساط الأكاديمية و الطلاّبية الحاضرة يومها، بدعوى أنّها مؤامرة تحمل في طيّات ثيابها دعوة إلى الرجعيـة. و هي حسب رأيي الشخصي الذي أتحمّل كامل مسؤوليته، براء من القذف بالرجعية، لأنّها ببساطة ساذجة لا تهتم بالعقائد و إنّما الخزائن و الجباية.
****** الضغط الجبائي هو نسبة قياس محصول جباية الدولة بإعتبار المساهمات الإجتماعية أو بدونها إلى الناتج الداخلي الخام.

" كركب" أو المغامرة المتواصلة
 

هو في الثلاثين من العمر، قصير القامة، ذو سرعة شديدة، حتى قال فيه أحد ظرفاء البلدة " كركب أسرع من بآم"، كمعظم الشبان في محيطه، عاطل عن العمل في انتظار فرصة تتيح له الهجرة إلى الشمال... لم ينل من التعليم شيئا ذا بال.. انخرط من حيث يعلم أو من حيث لا يعلم في بعض الأعمال التي جلبت له انتباه أعوان الأمن...
في أحد أيام الصيف الماضي و في ساعات القيلولة، قدمت سيارة من سيارات الأمن الوطني إلى بيت العائلة، ترجل أحد الأعوان، طرق الباب على عادة أعوان الأمن...أسرعت والدته و أخته إلى الباب... ففتحت...
- " وينا كركب"
- " ما هواش"

لم ينته الحوار عند هذا الحد، بل تعداه إلى بعض الكلام الآخر الذي يعتبر نابيا إن لم يعد من قبيل التحرش... على كل، قد يكون "كركب" استمع إليه مباشرة و قد يكون نقل إليه.... اغتاظ الشاب و لم يستطع كتم عيظه... تسلح بشفرة حلاقة و توجه مسرعا إلى مركز الأمن الوطني بالمكان... كان الطقس حارا... و لم يكن هناك غير عون استمرار...لم يمهله "كركب" فهوى عليه بشفرة الحلاقة مما جعل الدم يسيل غزيرا من خده... و غاب " كركب" عن أنظار ملاحقيه من مختلف فرق الأمن قرابة عشرة أشهر...تناقل أثناءها سكان البلدة كثيرا من المغامرات المتسوبة لصاحبنا بإعجاب... لعل من أشهرها ليلة قدوم خمس سيارات شرطة بكامل طواقمها و قد دججت بالسلاح إلى الحي الذي يقطنه "كركب"، كان الشاب قد تفطن لهم، رأى عون أمن يعرفه، هاتفه قائلا: إني أراك يا ....."
عرفت بلدة الموانسة بعد هذه الحادثة أياما عصيبة.. مداهمات ليلية... تثبت في الهويات... كما وجد الشباب في  تشويه وجه عون الأمن فرصة للتندر ... صرح عون أمن يوما بقوله: " كنا نخوف الناس فأصبحنا نخاف على وجوهنا"...وقد سبق لي نشر ماساة عصام فارس ذات العلاقة بالبحث عن " كركب"...
بقيت عملية الملاحقة أشهرا طويلة... إلى أن تم التفطن إلى وجود " كركب" في منزل بضاحية السويحل في مكان يعرف ب" العقلة"...  وقع القبض على ابن صاحب البيت لكن وقع إطلاق سراحه بعد ذلك...هل هناك آخرون في البيت؟؟ يقال إن هناك بعض الفتيات... و أن بعض أعوان الأمن يترددون عليه...
و نقل "كركب" للتحقيق معه، و استقبل استقبال من اعتدى على عون أمن          و نحصن بالفرار مدة طويلة...التحقيق يتعلق بالمخدرات... و قد يكون "كركب" ذكر من الأسماء ما لا برغبون في ذكره... و نقل على الأقل مرة إلى المستشفى الجهوي لتلقي الإسعافات...
أشرفت مدة الإيقاف على نهايتها، و كان يوم الاثنين 11 جوان يوم مثول " كركب" أمام القضاء الجالس...لكن كانت المفاجأة من الحجم الثقيل...
" كركب تمكن من الفرار ليلا مع موقوف آخر" ...
من يصدق هذا؟؟؟
دائرة الشرطة حيث يقضي "كركب" الليل فيها في وسط المدينة،، و  ككل  المؤسسات الأمنية شديدة التحصين و الحراسة بحيث يكاد يكون من المستحيل الفرار منها... لذلك عندما انتشر الخبر ذهب السكان مذاهب شتى لكنها أجمعت على أن الفرارمنها دون مساعدة داخلية يعد أمرا مستحيلا... لكن لم يساعد "كركب" على الفرار؟؟؟
ذهب الناس في هذا مذهبين:
1-   قد يكون " كركب" لقي حتفه هناك فكان الفرار "سيناريو" لطي الملف     و التخلص منه..
2-   قد يكون 'كركب" ذكر من الأسماء (قضية مخدرات) ما يجب التستر عليها..
و انشغل الناس بهذه المسألة فكانت محور أحاديثهم في سيارات التاكسي و في المقاهي و غيرها...خاصة بعدما اتصلت عائلة كركب بجهات فضائية و غيرها       و أبلغت رسميا خبر فراره....
و في ظهيرة بوم الجمعة كان ما لم يكن في الحسبان... إذ ظهر الشاب الثاني الذي فر مع "كركب".. كيف كان ذلك؟؟؟
نرجع قليلا إلى الوراء...يوم السبت 9 جوان 2007 ذهب بعض أعوان الأمن إلى منزل خليفة زواغة يسألون عن ابنه محمد علي...لم يكن موجودا في المنزل...فتعهد أخوه الأكبر بالقدوم به إلى مركز الأمن حالما يعود إلى المنزل...     و كان ذلك و وقع إيقاف أخيه " محمد علي"... و من قدره أن وقع إيواؤه مع محمد علي في نفس الزنزانة...
يرن جرس الهاتف في بيت " محمد علي"..
- آلو ، عم خليفة/ خالتي...، ابنكم محمد علي عندنا في البيت، تعالوا لتأخذوه....
أسرعت العائلة...اتصلت ببعض المحامين، نصحها بالإبراق إلى وكالة الجمهورية معلمة إباها بظهور ابنها......قدم رئيس مركز الأمن الوطني بجرجيس ليتسلم       " محمد علي"...
محمد علي يتذكر بصعوبة ما وقع ليلة الإثنين...." قدم عونا أمن ، فتحا الباب علينا، أمرنا بالقيام ثم بالخروج، ركبنا سيارة...انطلقت... قضيت الليلة الأولى في المكتبة العمومية بالموانسة (على بعد عشرات من الأمتار من مركز الشرطة بها)، الليلة الثانية قضيناها بالمعهد الثانوي 2 مارس على طريق مدنين( أيام اجتياز مناظرة البكالوريا)، ثم ذهب  " كركب" إلى حيث لا أدري، أما أنا فذهبت إلى البيت الذي كنت فيه...
ختاما "كركب" هو عادل بن مبروك مصدق من شباب الموانسة يقطن قرب حمام مصدق على طريق الرجاء و القريبيس من الموانسة...
جرجيس في 16 جوان 2007

عبدالله الـزواري
abzouari@hotmail.com
 

 أسئلة إلى السيّد نذير عزّوز (صاحب مقال: هل أصبح الإتّحاد مأوى شرذمة فاشلة ـ أسبوعيّة الإعلان، عدد 1723 ـ 19 جوان 2007)

في المنطق وبعض الفقه ونزر من الفلسفة وبقيّة من سياسة وما تبقى من أخلاق

 

إذا تجاوزنا من باب الترفّع ما يرجم النسائي ويذّل الكسائي ويقهر سيبويه ويطعن بن خالويه ويقبر شيخهم الإمام أبي منصور إسماعيل الثعالبي النيسابوري، بل ما يجعل البحتري ينتحر مرّات ومرّات، نرى من حقّ صاحب هذه الأسطر أن يتوجه إلى السيّد نذير عزوز بالسؤال [والسؤال إلى غير الله مذلّة] علّنا نجد لديه تفسيرًا أو نلقى من عنده بيانًا أو نصيب معرفة ويكون بذلك قد كسب في الدنيا أجر «ما يكتب» وفي الآخر نظير ما فعل.

نرى ـ والكلّ من أهل الصحافة يرى ـ المقال عادة من زاوية ما يريده صاحب القلم وما يبغيه، بل ما يؤمن به ويروم تأسيه، وأيضًا وأكيدًا من باب المرجعيات الأخلاقيّة والقواعد المهنيّة والثوابت الحرفيّة، وإن كنّا نرى الشروط الأولى من أوجه الحريّات الشخصيّة وما لا يمكن مناقشته من باب الأصل، بل فقط ضمن ما نبحث تأسيسًا على قواعد الاحترام، تأتي الثانية خاضعة لثوابت علميّة صارمة ومرجعيات أكاديميّة دقيقة، بل لا يمكن القبول بأيّ تخطّ أو تجاوز حين يلقى صاحبه جزاء صنيعه وقد يصل الأمر حدّ الرفت، كمثل ما فعلت جمعيّة الصحافيين التونسيين مع بعض من لم يرع لهذه القواعد حرمة.

نسلّم جدلا أنّ السيّد نذير عزّوز ـ بحكم تجربته الطويلة ورفعة منصبه [رئيس تحرير] ـ يدرك هذه الأمور حقّ أمرها، بل هو يتكفّل ـ بحكم منصبه ـ بتكوين الصحفيين العاملين تحت إمرته وتأطيرهم سواء تعلّق الأمر بضرورة أو هو لزوم احترام القواعد الأخلاقيّة أو التقيّد بالمرجعيات المهنيّة.

يذهب السيّد نذير عزّوز في تغطيته للاجتماع الإخباري لنقابة الصحافيين التونسيين الذي شهده مقرّ الإتّحاد يوم 16 جوان الفارط مذهبه، ولا يمكن ـ كما أسلفنا ـ أن نناقش الأمر من باب الخيارات، بل نرى أنّ المقال وصاحبه لم يحترما أدنى الثوابت المهنيّة أو ما تمليه شروط احترام القارئ، فلم يستشهد عينًا سوى بأقوال المولدي مبارك، وليس لنا أن نلوم أو نشقّ هذا «العشق»، حين يخبر بن حزم والشيخين التيفاشي والنفزاوي وغيرهم ممّن كتب في العشق والغرام والهيام والصبابة مهما كان النوع أو الرهط، أن السلاطين والأباطرة أنفسهم يقفون أذلاّء صاغرين، خاشعين أمام سلطان العشق، ولا سيّما حين يصل الأمر حدّ «التطوّع الإرادي والمجاني» بتقديم المولدي مبارك وتبيان سيرته وتوشيح الصفحة بصورة صبوحة لصاحب الأمر [والنهي ربّما].

أيضًا لم يأت صاحب المقال أو من حبّره، حين لا نعلم هل يوافق هذا ذاك، على باقي الأقوال، كأنّ القاعة انقسمت بين المولدي مبارك، الذي جاءنا في صورة عنتر بن شدّاد أو هو وحيد عصره ويتيم دهره وفلتة زمانه من ناحية و«الشرذمة الفاشلة» من ناحية أخرى، ومن حقّ جميع من حضر [ومنهم صاحب هذه الأسطر] أن يسأل عن مقامه ومنابه من هذا التقدير [والتقرير أيضًا]!!!!

قد لا يرى البعض في الأمر ضررًا ولا يعتبرون فيه ما يعيب، حين جاءت العولمة الأخلاقيّة لتهدّ المرجعيات وتعوّم الأسس وتهدّ الثوابت، بل نرى بدءا وجوب الإشارة إلى بعض النقص في هذه السيرة، فقد غفل من حبّرها أو تناسى من أخبره، أنّ صاحب الصورة الضاحكة مطرود من جمعيّة الصحافيين التونسيين، وليس لنا في غياب أصحاب الشأن، القيادة القطريّة لجمعيّة الصحافيين أو صاحب الصورة الضاحكة، أن نورد الأسباب ونبدي من الأمر ما يعلمه القاصي والداني عن أسباب هذا الطرد وملابساته... ثانيًا، يأتي إيراد موقف المولدي مبارك ضمن المقال دون غيره، ومن ثمّة هذه «السيرة المباركيّة» ليكون الأمر مجرّد إشهار مقنّع، في خلاف بل قطيعة مع أبجديات العمل الصحفي، سواء حين يُلزم القانون ـ الذي هو فوق السيّد نذير عزّوز على ما نعلم ـ الإشارة إلى هذا العمل تحت بند «مقال إشهاري»، وعدم الخلط بين العمل الصحفي الذي يبغي «الحقيقة» ومقال الإشهار الذي يروم خدمة من دفع المال أو أشياء أخرى، كمثل ما عهدنا من أسبوعيّة «الإعلان»، حين تتمعّش من العرّافات وقارئات الحظّ و«ضاربات الخفيف»!!!!

 

كلّ ما تقدّم توطئة، لنصل إلى صلب الموضوع، قولا أنّ المصيبة تكمن أساسًا وأوّلا في من استبطنوا ضمير الدولة وأفهمونا أنّهم لسانها وقلمها وإن لزم الأمر «أزلامها» وعدّتها وسلاحها، لتكون القراءة في بعدها الأشمل حين يتوسّع المشهد، قولا بأنّ هؤلاء يردّدون في السرّ والعلن أنّهم «لا ينطقون عن هوى» بل «يكتبون عن وحي ويتحرّكون عن إلهام»، ولا يرون أدنى فوارق بين من خالفهم في الذوق حول لون ربطة عنق وتلك الشرذمة الفاشلة [حقيقة] التي حملت السلاح في نواحي سليمان.

لا يكمن الإشكال في صحّة هذا القول من عدمه، بل سعي هؤلاء «الأنبياء» [أيّ من تأتيهم الأنباء «من فوق»] إلى ترسيخ «أنّهم الدولة والدولة هم» وهذه قناعة راسخة لدى قطاعات واسعة من الصحفيين والمثقفين والفاعلين في المجتمع المدني ويكون من الصراحة القول أنّ القراءة الغالبة لما كتبه رئيس تحرير أسبوعيّة «الإعلان» تتنزّل ضمن «حرب الدولة على الإتّحاد الشغل» أو هي [في رواية أخرى] «حرب جهة من الدولة على نقابة الصحفيين»...

لا يحتاج الأمر إلى تأكيد من هذه الجهة أو إلى تكذيب رسمي يورده «مصدر مسؤول»، فالمسألة لا تعني الكتابة أو ما هو ماثل أمامنا من مقال، بل في معادلة بدأت تلوح أمامنا في صورة ما يدور في غزّة والضفّة الغربيّة بين كلّ من فتح وحماس ليصل الاقتتال هناك بالسلاح ويبقى الأمر بالتأكيد على مستوى تونس عبر المقالات وصفحات الانترنت، لكنّ المنطق ذاته، تقديس مطلق يقابله تدنيس مطلق هو الآخر، في غياب [أو تغييب] أيّ قراءة موضوعيّة، وقد كنّا نتمنّى ـ حين يعني التمنّي طلب المستحيل ـ أن نقرأ على صفحات أسبوعيّة «الإعلان» تحقيقًا أو ملفّا عن الواقع الصحفي وما يمكن أن تقدّمه كلّ من جمعيّة الصحفيين أو نقابة الصحفيين، مع ضرورة مشاركة أصحاب الشأن أو من يرومون ذلك، من الصحفيين والأكاديميين وخبراء القانون وغيرهم كثير.

بقي أن نشير إلى أنّ قيادة الجمعيّة عبّرت صراحة وأعلنت أمام الملأ عديد المرّات أنّها لا يمكن أن تكون في علاقة نفي مع مشروع «نقابة الصحافيين التونسيين» حين شدّدت الجمعيّة طوال 45 سنة من مسيرتها على الحريّة في بعدها المطلق [أيّ السياسيّة والنقابيّة في الأساس] وعلى حريّة التعبير ولا يمكن أن تكون أو أن تنخرط أو تشارك في أيّ رؤية أو مشروع أو عمل مهما كان ومهما كانت نوايا أصحابه، يبغي طعن النقابة أو الانتقاص من حقّها في الوجود. أيضًا عبّرت المركزيّة النقابيّة عن أنّها لا يمكن أن تكون ماهيّة أو تأسيسًا أو ممارسة في أيّ تناقض مع «جمعيّة الصحافيين التونسيين» وفي صورة تحوّل الجمعيّة من واقعها الحالي إلى «جمعيّة ذات طابع نقابي خاضعة لأحكام مجلّة الشغل»، يكون التعاون [والكلام للمركزيّة النقابيّة] هو الأصل والاحتكام إلى القانون هو المبدأ، الذي ينصّ على تولّي النقابة الأوسع تمثيلا المفاوضات مع جمعية الأعراف.

في فلسطين ثبت أنّ «الطرف الثالث» الذي أشعل الحرب يقف وراءه ويموّله الكيان الصهيوني!!! يكون من الطبيعي أن نطرح ذات السؤال في واقع الذات؟؟؟؟

 

ملاحظة: صدر مقال السيّد نذير عزّوز مشفوعًا برسم كاريكاتوري بإمضاء «شقعوبي». نرى والأمر مجرّد فكرة لا غير، أن يتولّى ذات الفنّان رسم كاريكاتور يصاحب هذا الردّ. نقترح فكرة الثعلب الذي تنكر في لبوس الناسك ولفنّاننا المبجّل حريّة رسم الوجه والملامح حسب ما تجود به قرائحه.

 

نصر الدين بن حديد

عضو نقابة الصحفيين التونسيين

 

 

  

 الجهاد الإلكتروني : جهاد العصر

تلك هي الكلمة التي إفتتح بها الإمام القرضاوي منذ سنوات مناسبة تدشينه لإنطلاق أكبر موقع إلكتروني إسلامي بحسب مؤسسة " آلكس " الدولية التي تشير إلى ترتيب مليون موقع إلكتروني في العالم ( إحصائية يونيو حزيران 07) أي موقع إسلام أون لاين الذي فاز بجوائز دولية مقدرة.

أبلغنا للتو الأخ عبد القادر مؤسس ومدير " الحوار.نت " بأنه بصدد إتخاذ إجراءات إحتياطية إستثنائية فضلا عن مرابطته التامة على ثغر الحاسوب لمواجهة أشرس هجوم إلكتروني يتعرض له الموقع منذ تأسيسه في أبريل نيسان 05 وذلك بعدما نجح ذلك الهجوم قبل ساعات في إلحاق أضرار بليغة بموقع اللقاء الإصلاحي الديمقراطي للد. خالد الطراولي ( إنظر بلاغه على الحوار.نت ) وبعدها بقليل نجح الهجوم نفسه في النيل من موقع الحزب الديمقراطي التقدمي بتونس.

مما ينقله لنا الأخ عبد القادر مدير ومؤسس " الحوار.نت " بأنه يحصي يوميا منذ الأسابيع الأولى لبعث الموقع عشرات محاولات الإختراق الإلكتروني فمن ذلك ـ قبل أسبوعين تحديدا ـ أن قارئا من " تل أبيب " عاصمة الكيان الصهيوني المحتل إستخدم خمس مرات إسما معينا في غضون دقائق معدودات ضمن باقة الإهداءات بالموقع للتسلل إلى جزء ما بالموقع ولكن من حسن الحظ أن الأخ عبد القادر كان منتصبا بكامل وعيه أمام الحاسوب في تلك اللحظة ولما رابه الأمر كشفه وطرده. وروايات أخرى كثيرة ربما لو كتب عنها الأخ عبد القادر لأستهلكت قمطرا ثخينا.

ومعلوم أن موقع " تونس نيوز " قد تعرض منذ عام تقريبا لأنجح محاولة إختراق أدت إلى تعطيله أسابيع طويلة ثم كشف الموقع أن صاحب المحاولة ينطلق من مدينة نورنبارغ الألمانية.

عالم الفضائيات أيضا لا يسلم من القتال المضاد :

بحسب إحصائيات يونيو حزيران 07 أيضا فإن عدد الفضائيات يصل إلى 5000 فضائية منها 325 عربية و 15 إسلامية ( 868 منها غير مشفرة وتصل إلى العالم العربي ).

من ذلك الحرب الفرنسية ضد فضائية حزب الله قبل عامين بحجبها عن البث ضمن مقاييس فضائية معينة ومن ذلك أيضا ما تتعرض له فضائيات أخرى من منافسة مالية غير شريفة أو ضغوط سياسية من مثل تعرض " الجزيرة " مرات عديدة لحجب بعض برامجها بعد الإعلان المسبق عنها إشهاريا بسبب تدخلات الحكومة التونسية وهي أزمات متتالية على مدى عشرية كاملة من الزمن أفضت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بالكامل مع دولة قطر ومعلوم أن سفير تونس لم يرجع بعد إلى مكان عمله في الدوحة حتى أسابيع قليلة ماضية ومن ذلك أيضا ما تعرضت له قناة " الزيتونة " التابعة لحركة النهضة التونسية من لندن قبل سنوات من ضغوطات سياسية وأمنية ومالية عنيفة عجلت بخنق القناة بعد أسابيع قليلة من بثها ومن ذلك أيضا تعرض قناة " الحوار" اللندنية إلى محاولات مماثلة من جانب الحكومة التونسية بسبب بثها لشريط وثائقي حول التعذيب الجسدي في تونس وهو من إعداد اللجنة الدولية لمساندة المساجين السياسيين في تونس ولم تفعل " الحوار" أكثر من بثه.

درس بليغ لا بد من حسن إلتقاطه وحسن فقه رسالته ثم الثبات عليها :

الكلمة الأولى : بعد حصول التطورات البالغة من زوايا كثيرة على معمورتنا ( إنظر الكتاب الثاني للمجلس الأروبي للإفتاء والبحوث بعنوان " تقسيم المعمورة في الفقه الإسلامي وأثره في الواقع " للد. عبد الله الجديع ) فإن جهاد الطلب اليوم ( جهاد الفتح العسكري سابقا ) وسيلته الوحيدة ـ أو تكاد ـ هي : صناعة الكلمة ( إنظر الكتاب الأول للمجلس بعنوان " الدين والسياسية للإمام القرضاوي ). تلك نقلة وعي عملاقة يتعين على المسلمين اليوم ـ سيما المهتمين أو المنخرطين ضمن الجماعات الإسلامية من حركات وأحزاب وتجمعات ودعوات ـ حسن إستيعابها. ذلك هو واجب الوقت ضمن نظرية إبن القيم عليه الرحمة والرضوان وتلك هي نتيجة معادلة فقه الأحكام مع فقه المقاصد مع فقه الموازنات مع فقه الأولويات. ذلك هو الجهاد الإسلامي المطلوب شرعا وعقلا ومصلحة بحسب تغير الزمان والمكان والحال والعرف خارج الأرض المحتلة ( فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال وكشمير ..). ذلك هو مخ النداء القرآني الكريم قبل أربعة عشر قرنا كاملة ونيف : " وجاهدهم به جهادا كبيرا ". ولقد صدق ذلك إمام المجاهدين بالقرآن الكريم محمد إبن عبد الله عليه الصلاة والسلام حين قال : " أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر". لاحظ معي كلمة " كلمة " التي وردت في قوم أميين لا عهد لهم بالقلم والكتاب ولاحظ معي صيغة التفضيل " أفضل " أي أفضلية مطلقة في الأصل إلا أن يدخل عليها ما يعطل محلها ( لا حكمها ) أي إستخدام القوة المادية من لدن العدو أو هجومه على البلاد وعندها تتكافل في عملها مع الحديث الآخر الصحيح : " حمزة سيد الشهداء ورجل قام إلى حاكم جائر فأمره ونهاه فقتله ". لاحظ معي كذلك أن كلمة سلطان لا تعني قصرها على الوجود المادي للسلطان فالإعلام المعادي للإسلام اليوم مثلا وجود معنوي لا مادي والعبرة هنا هي : مقاومة الجور مطلقا بحسب المكنة كلما كان سلطانا يفرض الإكراه ـ ولو إكراه سحرـ على الناس الذين خلقهم ربهم سبحانه أحرارا متساوين في المصدر والرسالة والمآل : " متى إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ".

الكلمة الثانية : الدليل الوضعي على أن العمل الإعلامي فضائيا وإلكترونيا هو جهاد العصر وأن الكلمة بمختلف صورها الفنية الواسعة هي سلاح ذلك الجهاد هو أن عدو الإسلام والمسلمين يشن القتال المضاد على تلك الجبهة الجهادية بذات السلاح كما تبين لنا من خلال الصور آنفة الذكر من هذا المقال وهو أمر معلوم عند كل من هب ودب. من فروع ذلك الدليل الوضعي أن المدافعين عن حرية الكلمة وكرامة الإنسان يلتقون اليوم برغم إختلافاتهم الفكرية والدينية في خندق واحد ضد محاولات الإختراق والخنق التي يقودها المستكبرون والمترفون من ورثة فرعون وهامان وقارون. ( مصدر محاولات الإختراق ضد الحزب الديمقراطي التقدمي في تونس هي ذاتها ضد محطة " الجزيرة " و" الحوار" و" الزيتونة " سابقا و " تونس نيوز" والحوار.نت " الخ..).

الكلمة الثالثة : إذا كان ذلك كذلك فإن جبهة الجهاد الإعلامي فضائيا وإلكترونيا  ينبغي على أعلامها والمساهمين معهم ولو بشق كلمة أن يقدروا جهادهم حق قدره وفق ما ورد في القرآن الكريم : " وجاهدوا في الله حق جهاده ". إذ لا يكفي الجهاد الإعلامي بالكلمة بكل إمتداداتها الفنية بل لا بد أن يكون مضبوطا بشرطين : أولهما الإخلاص " في الله " سبحانه وحده أي " من جاهد لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله" وثانيهما : إيلاء ذلك الجهاد حقه. حق الجهاد هو : أن يكون من أهله وأهله هم : أهل الكلمة إنتاجا وتوزيعا وإستثمارا في مختلف حقول الإنتاج الفني إذ الكلمة هي فن الإنسان ومكمن التكريم فيه دون سائر المخلوقات وبها يكون العلم قراءة وكتابة بحسب أول ما نزل من القرآن الكريم. أهل الكلمة هم العلماء بها كل في حقله دون إفتئات ولا كذب فمن جحدها مع العلم بها فهو كاذب ومن أنزلها في غير موضعها المناسب فهو كاذب ومن زاد عليها مبالغة تشفيا أو تنكيلا أو ثأرا فهو كاذب. إنما أهلها هم أهل " الموازين القسط ". وحق الجهاد بعد ذلك هو : أن يكون في محله. ومحله هو : تقديم الثوابت العظمى على فروعها وحسن إدراك حاجة الإنسان في هذا العصر. أكبر ثابتين لا يتزحزحان عن محل الكلمة سلاح الجهاد المعاصر هما : خدمة التوحيد الإلهي الخالص إنجاء للناس من نار يوم القيامة وتكريم الإنسان تحريرا له وتأهيلا لمهام الخلافة والعمارة والعبادة والتعارف والعدل. لك أن تشرق شرقا ثم تغرب غربا ولن تلفى أصلا آخر بله فرع إلا وهو مكتنف من لدن ذينك الأصلين العظميين الكبرين الثابتين. ذلك هو المنهج الإسلامي للجهاد الإعلامي المعاصر.

الكلمة الرابعة : بعد حسن فقه ذلك لا بد من تعزيره بخصلة الثبات على الحق إذ ما قل وأغنى خير مما كثر وأطغى وقليل دائم خير من كثير منقطع. الثبات على الحق ليس من وظيفته تكثير الوافدين إليه بل على العكس من ذلك تماما تكون وظيفته في البداية ـ وظيفة غير مباشرة ـ تفريق الناس من حوله وتوسعهم إما في السلبية أو في إنشاء مؤسسات الضرار إما حسدا وحقدا أو جهلا وبلاهة. إنما وظيفة الثبات على الحق من لدن أهله هي : ترسيخ الحق في أفئدة أهله ثم إبتلاؤهم بصنيع الناس " وجعلنا بعضكم لبعض فتنة " ثم تثبيث ذلك الحق في حياة الناس لبنة بعد لبنة فيألفه الناس جيلا بعد جيل ليصبح عرفا معروفا يعسر إجتثاثه وذلك هو معنى الإجماع أول مصدر بعد الأصلين. قد يبذل الناس أعمارهم كلها وأموالهم كلها بل يضحون بما لا يضحي به إلا المجاهدون المخلصون الأقحاح الأصائل في سبيل فكرة من أفكار الإسلام من مثل العمل الجماعي لخدمة الدعوة الإسلامية في حقل ما فإذا ما تقدمت بهم سنون العمر بعد عقود طويلة وتراجع مدهم وإنقلبت عليهم ظهور المجن طفقوا بإسم المراجعة والمحاسبة والتقويم يهدمون الأسس الفكرية الأولى التي قام عليها مشروعهم متأصلا في الإسلام وفي الواقع معا. ليس ذلك من الثبات في شيء. كل تقهقر عن مساهمات رؤوس الأموال في أي مشروع لا يعد ثباتا بل خسرانا. لكل مشروع مادي أو معنوي رساميله فكل من يضحي بالأرباح تغذية لتلك الرساميل هو فقيه حقله إن إختيارا أو إضطرار وكل من يرجع على رساميله يأكلها هو خب مخدوع ولكن لا وجود لخب مخدوع في هذه الدنيا يصرح للناس بذلك ولذلك خلق الله سبحانه التزوير والتزييف والكذب والتمحل إبتلاء للناس. تلك هي حقيقة قالة أحد الأئمة : إنما يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال. الحق يختزن دليله في بطنه فإذا إحتاج إلى دليل من خارجه فإنما هو حق مزيف أو فجر كاذب.

الخلاصة :

الإنسان مخلوق من مصدر واحد محدد لرسالة واحدة محددة ولمصير واحد محدد قهرا لا خيرة له في شيء من ذلك. لأداء تلك الرسالة يستعين بسنن وأسباب هو واحد منها فمن وعى ذلك حقق من الفلاح بقدر وعيه وعمله. هو مجاهد أبدا سواء كان على درب الفلاح أو درب الخسران لأنه في حال كدح لازم وكبد دائم وسعي لازب. الحرب والسياسة وجهان لعملة واحدة : الأولى سياسة بلغة العنف والقوة والثانية حرب بلغة السلم والحيلة. السياسة هي سلاح القوي والحرب سلاح الضعيف. صناعة الكلمة صناعة ثقيلة كفيلة برفع أمم وخفض أخرى وكل ما يقع عليه بصرك هو نتاج من نتاجها وذلك هو سر كرامة الإنسان المعلم وذلك هو سبيل تحرره وأول أسر يتحرر منه هو : أسر نفسه التي بين جنبيه " وجاهدوا في الله ". تلك الكلمة هي رساميل ثرة ضخمة في يد الإعلاميين في كل حقول الإعلام وكل حقول الفن وهي التي تصنع السياسة والإقتصاد والإجتماع والثقافة والدين والحضارة والعلم. هي التي تصنع الإنسان معنويا بعدما ولدته أمه كائنا بيولوجيا.

معنى ذلك هو : فرسان الكلمة اليوم هم المجاهدون الخلص الأقحاح المغاوير وليس لهم سوى الثبات على ذلك الجهاد بعد إخلاصه للرحمان سبحانه وتحري إيقاعه من أهله " القوي الأمين" وفي محله " حق جهاده ". معالم منهجهم في ذلك هي : التحريض على توحيد الخالق " لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خيرا لك من حمر النعم " والتحريض على كرامة الإنسان ـ كل إنسان ـ حتى يتحرر الإنسان وتتعدل موازين القوى لتستعيد قوى الحق والخير والعدل مكانها فوق الأرض.

تلك هي المعركة في حقيقتها العارية الصحيحة : تدافع بين الحق والباطل في كل مظاهر التدافع وفي كل حقول التدافع جيلا بعد جيل حتى يرث الرحمان سبحانه الأرض ومن عليها. لكم هو واهم إلى حد بذل الشفقة له من يظن للحظة واحدة من حياته أنه في لحظة لا معركة فيها أو في ساحة لا قتال فيها. تلك هي إرادة الرحمان سبحانه في كونه وخلقه وإنسه وجنه. لا سلام لحي فوق الأرض حتى يسلم أمانة الروح إلى باريها فإياك أن تلقي عنك إليك السلاح أما من يلقي عنه إلى عدوه السلاح بإسم السلام فعليه السلام.

الهادي بريك ـ ألمانيا



المأزق التونسي: حديث مع أحمد المناعي
حديث مع أحمد المناعي أجراه نيكولا لالند لموقع القلم بتاريخ 31 جانفي 2007
 


أحمد المناعي معارض لنظام بن علي، و قد عُذب لآرائه كغيره من آلاف التّونسيين. و قد روى لنا هذه التجربة المريرة في كتابه "العذاب التونسيّ الذي صدر في بداية سنة 1995 و قدّم له جيل بيرولت.
في هذا الحديث، يظهر لنا الرّجل أنه دائمًا على التزامه لكنّه استطاع أن يأخذ المسافة الكافية لتحليل الحالة التونسية بموضوعيّة. و ها هو يقدّم لنا أفكاره عن الماضي و الحاضر و المستقبل الممكن لتونس.

القلم: بعد 12 سنة من صدور كتابك "العذاب التونسي" هل يمكن أن نعتبر أن نظام بن علي يتطوّر نحو مزيد من الديمقراطية و الحرّيات الفردية؟

أحمد المناعي: كان هذا الكتاب شهادة متواضعة و منقوصة لأنّها لم تطرح المسؤوليات السّياسية و خاصة مسؤولية حركة النّهضة في المأساة التونسيّة، إذ علينا أن لا ننسى أن بن علي و نظامه هما نتاج تاريخنا و مجتمعنا و نخبنا الفكرية و السيّاسية و كذلك النّظام الدّولي المهيمن.
الآن، هل يتطوّر النّظام نحو مزيد من الديمقراطية و الحرّيات الفكرية؟ بالتّأكيد لا، و ستزيده الأحداث الأخيرة تصلّبا.
إلاّ أن ذلك لا يعني أنّه لم يتغيّر، كثيرًا ما يميل الشخص المنفي إلى الاعتقاد بأن البلد الذي اضطرّ لهجره، يتجمّد و لا يتحرّك و يظلّ دائمًا على حاله... في انتظار عودته. و الحقيقة أن للمجتمعات حركيّتها الخاصّة، فهي تتحرّك و تتطوّر بمنأى عن الأفراد و الأحزاب السّياسية و النّخب و حتى الحكم !
هناك تطوّر و لكنّه ليس نتاج سياسة واضحة و خطّة مدروسة.
و لا بدّ من التّذكير بالحالة التّونسية في بداية التّسعينات من القرن الماضي. كان هناك قمع وحشيّ و محاكمات بالجملة، و لا أقلّ من 10 آلاف سجين سياسي و عشرات القتلى تحت التّعذيب: كان الرّعب عامًّا !
و الآن، أطلق سراح المساجين بعد قضائهم عقوباتهم، و وقع العفو على بعض المئات منهم. لا يوجد الآن إلاّ حوالي 60 سجينًا من حركة النّهضة، إضافة إلى 300 شاب، اعتقلوا في الثلاث سنوات الأخيرة بمقتضى قانون "لمقاومة الإرهاب".
القيادات السياسّة و نشطاء حقوق الإنسان من ذوي الخلفية الماركسية و الليبرالية الذين كانوا محرومين من جوازاتهم طيلة العشرية السّابقة، يسافرون الآن للخارج بكل حرّية. كثير من المنفيين القدامى للنّهضة و زوجاتهم و أطفالهم يرجعون بانتظام لبلدهم منذ بداية هذه العشرية.
هناك العديد من جمعيات حقوق الإنسان، الغير معترف بها، تنشط و تنشر بياناتها و احتجاجاتها و تنديدها و استنكاراتها بانتظام.
وسائل الإعلام باقية في أيدي السلطة، و لكن هناك المكاسب الكبرى التي تمثّلها شبكة الإنترنات و الفضائيات العربية و هي ميسّرة للمعارضين و المحبّبة للتونسيين. الآن، الأخبار تتنقّل بسهولة و النّاس يتحدّثون بجرأة و ينتقدون و يعبّرون عن مللهم.
لقد سقطت كثير من المحرّمات، و هو ما يعني أنّنا لسنا مع النّظام الذي عرفناه منذ 15 سنة و لكننا لم نبلغ بعد الانفتاح و مازلنا بعيدين جدًّا من الديمقراطية.

القلم: الكثير يراهن على موت عاجل للرّئيس التّونسي و يتمنّى "ثورة قصر". ما رأيك؟

أحمد المناعي: الموت ينتظرنا جميعا و يمكن أن يصيب في كلّ لحظة أيّ واحد منّا، الرّئيس أو العديد من الطامحين لخلافته. يقال أنّ الرّئيس التونسي مريض و لكن ذلك يتردّد منذ 5 أو 6 سنوات، و يمكن أن يطول ذلك. و إنّي أستغرب أن يراهن مسؤولون سياسيون على موته بهذا الحد، و كأنّ غيابه سيؤدي إلى انهيار النّظام. في رأيي، سيظلّ النّظام بعد رئيسه و لو لبعض الوقت، و سيتمّ تداول السّلطة حسب مقتضيات الدّستور، و سيتمّ اختيار مرشّح التّجمّع ـ حزب الحكم ـ في وزارة الدّاخليّة. و قد قيل كثيرًا بأنّ الجزائر هي ملك جيشها. أمّا تونس فهي ملك وزارة داخليتها. و أخشى ما أخشاه أن تبقى المعارضة و خاصّة في حالها الحاضر، غائبة عن الحدث.

القلم: هل المعارضة الحالية ناضجة لاستلام شؤون الحكم، حسب رأيك؟

أحمد المناعي: لكي تأخذ المعارضة الحكم، وجب أن يكون هذا الأخير شاغرًا و هذا غير حاصل، وأن تكون المعارضة موجودة، مكتملة البناء، لها قيادات تملك مصداقية و برنامج قادر على استهواء التّونسيين في انتخابات حرّة و شفّافة، و هذا غير حاصل الآن.
هناك ثلاث طرق للوصول للحكم، إمّا بالثورة أو الانقلاب العسكري أو عن طريق الانتخابات. لا أعتقد أن تونس هي الآن على أبواب ثورة، أمّا الانقلاب العسكري فإنّه قضيّة خاصّة بمن يملك الوسائل المادّية للقيام به، أي العسكر، و استعبد ذلك تمامًا.
بخصوص الانتخابات، أعتقد أنّه إذا ما وقع انفتاح سياسي يسمح بتحوّل ديمقراطي يقوده جناح ليبرالي في الحكم لمدّة 3 أو 5 سنوات، فإنّ المعارضة بكل مكوّناتها يمكن أن تصل للحكم بعد ولايتين أي بعد عشر سنوات. و إذا ما انطلقت هذه العملية الآن في سنة 2007، فيمكن للمعارضة، بعد أن تكون قد نضجت و تشبّبت ـ لأنّ زعماءها الحاليين قد أصابتهم الشيخوخة ـ أن تصل للحكم في حوالي سنة 2020. بقي أنه يمكن حدوث المعجزة !

القلم: كيف تفسّر أنّ الحكومات الفرنسيّة المختلفة ظلّت صمّاء خرساء أمام الانتهاكات المفضوحة للحقوق الأساسيّة من قبل النّظام التونسي؟

أحمد المناعي: الدّول لا تُعير أدنى اهتمام لانتهاك حقوق الإنسان خارج حدودها، خصوصًا إذا كان الضحايا غرباء عن دائرة قيمها. لكن ذات الدول لا تتردّد في التلويح بقضية انتهاكات حقوق الإنسان و توظيفها و جعلها السّلاح الفعّال في معاركها من أجل تحقيق مكسب سياسي أو اقتصادي. فمثلا، أصبح القذافي "الشرير" طيّب العشرة ما أن استسلم بزاده و زوّاده، و دون أن يغيّر شيئًا في سياسته الدّاخليّة.
و رجوعًا إلى المسئولين الفرنسيين، أعتقد أن موقفهم ملخّص فيما صرّح لي به وزير خارجية فرنسي سابق، في سنة 1993: "أن بن علي أفضل ما يكون لتونس" و أنّه إذا كان هناك مشكل يهم شخصًا ما، فالسيّد الوزير مستعدّ لحلّه خلال 24 ساعة". و قد أعطاني أكثر من دليل على ذلك.
القلم: في أغلب الأحيان، اختارت الديمقراطيات الغربية مساندة الأنظمة الدكتاتورية، مثل تونس وغيرها، على أنّ تشجّع انفتاحًا ديمقراطيا كان بإمكانه السّماح لبعض الأحزاب الإسلامية للبروز وكسب بعض الانتخابات.
اليوم، كيف تنظر إلى هذا الحساب القصير النظرة و هذا الحذر من الأحزاب الإسلاميّة من طرف الأوروبيين و الأمريكان؟ مع مرور الزّمن هل ترى أنّه كان بإمكان راشد الغنوشي و حركة النّهضة المساهمة في البناء الديمقراطي التّونسي؟ هل من شيء يُنتظر من هذه الحركة؟ ما هو مآل أغلب مناضليها في المهجر؟

أحمد المناعي: الديمقراطيات الغربية كانت نشيطة و فعّالة في دمقرطة بلدان أوروبا الشرقية، و الحقيقة كان ذلك للإسراع بانهيار الإمبراطورية السوفياتية و إعادة رسم خارطة أوروبا و العالم، و إذا لم تفعل تلك الدّيمقراطيات نفس الشيء مع الدكتاتوريات العربية، فلتقديرها أن مصالحها الإستراتيجية قد تُهدّد من قبل فاعلين سياسيين لا تعرفهم كما ينبغي أو بما فيه الكفاية. مع ذلك كان هناك إسلاميون شركاء للأمريكان بامتياز طوال الحرب الباردة و بالخصوص أثناء الحرب الأفغانية.
قد يكون ذلك حساب قصير النّظر، و لكنّه فهمهم و تقديرهم لمصالحهم و أنا آخر من يؤاخذهم على ذلك. إنّي مؤاخذ على العكس سياسيينا وبالخصوص الحركات الإسلاميّة التي دفعت ببلدانها إلى مغامرات مدمّرة في حين كان عليها أن تتريّث قليلا. الآن و مع مرور الزّمن، أعتقد أنّ الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر التي منحها النّاخبون الأغلبية في الدورة الأولى للتّشريعيّات، ما كانت قادرة على حلّ المشاكل العمليّة للجزائر. و لا يعني هذا أنّي أساند الانقلاب الذي أوقف المسار الانتخابي.
فيما يخصّ تونس و حركة النّهضة، أريد أن أذكّر للتّاريخ، أنّ تونس عرفت حزبين سياسيين حقيقيين: الحزب الدستوري الذي تأسّس سنة 1934 و حركة الاتجاه الإسلامي/ النّهضة التي تأسّست سنة 1981. و كان بإمكان هذه الحركة أن تصبح منافسًا قويًا للنّظام بالاندماج أكثر فأكثر في المجتمع و بالتّدرّب على إدارة البلد و العلاقات الدّولية. لكنّ قيادتها أرادت حرق المراحل فاحترقت يداها ! ما يمكن أن ننتظره من هذه الحركة؟
في سنة 1992 صرّحت لمجلّة "أرابيس" البارسية، بأنّ هذه الحركة مهدّدة "بالتّحوّل إلى جماعة لا تأثير لها على الواقع السياسي في البلاد". و أعتقد أنّ هذا هو الحاصل منذ سنوات، على الرّغم من تحرّكاتها الكثيرة و الحضور المستمرّ لرئيسها في وسائل الإعلام. الفرد يستطيع أن يعيش و يُنمّي مواهبه وينجح في المنفى، أمّا الحزب السياسي فلا. قليل منهم من يشاركني تحليلي لاعتقادهم بأنّ موجة التّديّن الجديدة في البلاد من شأنها توسيع قاعدتهم الشعبية و الانتخابية، حيث يتصوّرون أن كلّ مصلّ أو كلّ امرأة محجّبة، من أنصارهم الطبيعيين. الحلم جائز ! لكن المشكلة أنّ النظام يعمل نفس الحساب و يردّ الفعل تبعًا لذلك.
بخصوص مناضلي الحركة في المنفى، الأمر مختلف. فالطّلبة توفّقوا لإنهاء دراساتهم و النّجاح فيها، و كثير منهم حصل على جنسيّة البلد المضيّف. و يوجد منهم كثير من المقاولين و الحرفيين و التّجار ورجال الأعمال المترفهين ممن يملكون فيلات بأحواض السباحة.

القلم: شهادتك المؤثرة التي جاءت في كتابك "العذاب التّونسي" تفيد بأنّك أصِبت في أعماق جسمك وروحك، جرّاء هذا النّظام و وسائله المستهجنة. فكيف يمكن للمرء أن يعيد بناء ذاته بعد تجربة أليمة كهذه؟ ثم هل من الوهم، التفكير بأنّ أشخاصا مثل بن علي و غيره، يمكن أن يحاكموا في يوم ما؟

أحمد المناعي: صحيح أنّ تجربتي مريرة لكنّها لا تقارن بآلاف المآسي الإنسانية التي يعيشها البشر في كلّ يوم و في أنحاء العالم و أحيانًا دون القدرة على الشهادة. كيف يمكن إعادة بناء الذات؟ لا أدري بصراحة إن كان ذلك ممكنا حقًا. عموما هي عمليّة ترميم الواجهة فقط، و قد ساعدني على ذلك إيماني ثم العائلة و الكتابة. لكن بالنّسبة لي، المنفى هو اكبر ألمي و أحاول تجاوزه بإيهام نفسي إني و إن لم أرجع لبلدي حيًّا، فسأدفن في ثراه لا محالة.

المحكمة؟

منذ 6 سنوات اجتمع حوالي 40 مناضلا من الجنوب و الشمال و أسّسنا منظّمة غير حكوميّة تُعنى بمقاومة التهرّب من العقاب و ملاحقة المستبدّين و غيرهم من المسئولين عن الجرائم الكبرى ومقاضاتهم أمام القضاء الدّولي. هكذا ولدت منظّمة العدالة العالمية بمركزها في لاهاي ـ هولندا ـ غير بعيد عن المحكمة الدّوليّة. بعد أسبوعين من الآن، تنظّم هذه المنظّمة اجتماعها العام و سوف أغتنم الفرصة لأدعو رفاقي لحلّ المنظّمة http://justitia-universalis.net

حاليًا، الاستعمار عائد و البلدان العربية هي المستهدفة أوّلا بأوّل و لا يمكن للمناضلين أن يفعلوا ما فعله العراقيون من قبل، أي تسهيل زعزعة دولنا الهشّة للمحتلين الجدد. العدالة الدّولية لم يحن وقتها بعد، و إذا كان لها أن تقاضي أحد في يوم من الأيّام و تنصف الضحايا، فعليها أن تبدأ بمحاكمة أولائك الذين دمّروا بلدا نا و قتّلوا شعوبا !

نص الحديث بالفرنسيّة:
http://elkalam.com/dossiers/dossiers.php?val=173_l+impasse+
tunisienne+entretien+avec+ahmed+manai/

نص الحديث بالألمانية :
http://www.anis-online.de/1/ton/37.htm


(المصدر: موقع المعهد التونسي للدراسات الدولية بتاريخ 18 جوان 2007)
الرابط: http://www.tunisitri.net/
 

بسم الله الرحمن الرحيم
دكتورة سلوى الشرفي: ثقي بالشعب التونسي
 
 
د. محمد الهاشمي الحامدي

دكتورة سلوى الشرفي المحترمة
السلام عليك ورحمة الله وبركاته

قرأت، حفظك الله ورعاك ونفع بك، ما نشرته في نشرة "تونس نيوز" الغراء بتاريخ 18 جوان (يونيو) 2007، تحت عنوان "الأسماء والأشياء"، وتوقفت عند قولك:

"فيعتبرون مثلا دخول العرب إلى تونس فتحا مباركا و دخول الفرنسيين استعمارا.
و يطالبون باستعادة الأندلس من الإسبانيين و بإلقاء الصهاينة في البحر. كما يدعون بأن العرب دخلوا بلدان غيرهم بالقبلات و الزغاريد و الزهور و ليس بالسيف، ناكرين، بالمعنى النفساني للكلمة، كل ما ورد من فظاعات في كتب "التاريخ الحنيف".
(انتهى النقل)
                      
اسمحي لي أن اقول لك، مع كل الإحترام، أنك تتجاهلين تماما القاعدة السهلة الميسرة التي يمكن للمرء أن يميز بها بين الغزو والفتح.
الشعوب هي التي تقرر الفرق بين الفتح والغزو. تأملي كيف استقبل أجدادنا دين التوحيد والحرية والكرامة، وكيف قاوموا جيوش الإستعمار من قبل ومن بعد.
الشعب التونسي، مثل الشعب المصري، مثل الشعب الجزائري، شعوب عريقة ذات إحساس عال بالهوية والكرامة.
لو أنهم وجدوا في مواكب الفاتحين القادمين برسالة الإسلام، رسالة العدل والكرامة والمساواة، لو أنهم وجدوا فيها روح الغزو ومنهاج التسلط، لقاوموا الفاتحين جيلا من بعد جيل، ولأغلقوا قلوبهم وعقولهم بمائة قفل حديدي في وجه الأفكار الجديدة التي جاء بها المسلمون.
لكنهم فعلوا العكس تماما. بعد مواجهات قليلة محدودة في البداية، وجد أجدادنا في الإسلام دين الحرية، فآمنوا به واعتنقوه. ووجدوا في العرب الفاتحين حلفاء من أجل الحرية، فاختلطوا بهم دون عقد، وغدت لهم جميعا هوية واحدة.

كان العرب المسلمون يفتحون القلوب لا الجدران.

وكانوا يكسبون العقول وليس الجبال والوديان.

ولذلك انخرط التونسيون والمصريون والجزائريون بعد مدة قصيرة جدا من الزمن في مواكب الفاتحين التي نشرت في الدنيا مبادئ التوحيد الخالص، وقيم المساواة بين البشر، واحترام التعددية الدينية، ومبادئ نبذ العنصرية ومعاداة السامية وثقافة الكراهية بين الشعوب.

ثم تأملي بعدئذ كيف تعامل التونسيون والجزائريون والمصريون مع جيوش الغزو الرومانية والأوروبية قبل الفتح الإسلامي وبعده. ستجدين أن شعوبنا اعتبرتها غزوا استعماريا على الدوام، وواجهتها، وهزمتها.
ذكرت مثال الإستعمار الفرنسي. تأملي في الموقف الوطني الموحد الذي عبر عنه التونسيون، رفضا للإستعمار، واعتزازا بالهوية العربية الإسلامية، ودفاعا عنها بالغالي والنفيس.
جيوش الدنيا بأسرها يا دكتورة سلوى لم يكن بوسعها أن تجبر الشعب التونسي على تبني ذلك الموقف لو لم يكن مقتنعا به.

وإنني أدعوك، وأدعو كل تونسي، للتوقف لحظة، وقراءة سورة الفاتحة، والإحتفاء والإحتفال بأولئك الزعماء والمناضلين الأبطال، الذين عبروا بشجاعة وكبرياء عن إرادة الشعب التونسي واعتزاه بدينه وعروبته، وفي مقدمتهم الشيخ عبد العزيز الثعالبي، والزعيم الحبيب بورقيبة، والشهيد فرحات حشاد، وإخوانهم الأبطال من مسؤولي الحزب الدستوري ومناضليه بوجه خاص، الذين قادوا معركة الحرية والإستقلال والدفاع عن الهوية العربية الإسلامية بعزيمة فولاذية ومهارة واقتدار.

ومن حسن الطالع أن ورثة هذا التاريخ النضال الوطني العروبي الإسلامي العريق في قيادة هذا الحزب، وعلى رأسهم الرئيس زين العابدين بن علي، واعون تماما بدورهم التاريخي في الدفاع عن الهوية العربية الإسلامية لتونس، ولم ينساقوا أبدا، رغم المواجهات الشديدة التي جرت بينهم وبين الحركات السياسية الإسلامية، لم ينساقوا وراء دعوات غلاة اليسراويين المتطرفين المسكونين بملايين العقد تجاه الإسلام والتاريخ الإسلامي.

ثم تأملي يا دكتورة سلوى في المثال الجزائري. لا تقولي إن الجزائريين اعتنقوا الإسلام بحد السيف. أرجوك لا تقولي ذلك ولا تهيني جيراننا وأهلنا في الجزائر. لو كان السيف يقهر الجزائريين لقهرتهم عقود الإستعمار الفرنسي الطويلة المريرة القاسية. ولكن أولئك الأحرار الأشاوس الذين قبلوا الإسلام دينا للتوحيد والحرية والكرامة، رفضوا الإستعمار الفرنسي، رفضوه بقوة وتصميم يا استاذة سلوى، وقاموه جيلا من بعد جيل، وعندما اكتمل استقلالهم، هتفوا بالآلاف في شوارع الجزائر عام 1962:

يا محمد مبروك عليك
الجزائر رجعت ليك

أرجوك يا أستاذة سلوي أن تسمعي لحقائق التاريخ، وإرادة الشعوب، قبل الخضوع لمقتضيات النزعات الإيديولوجيات اليسراوية المتطرفة.

الذين اعتنقوا الإسلام على مدار التاريخ فعلوا ذلك لأنه يمنحهم السعادة في الدنيا ويقدم لهم وصفة السعادة في الآخرة. يحررهم من الخضوع للطبيعة والأصنام ومدعي الألوهية من البشر. يحل معادلة التواصل بين عالم الغيب والشهادة. يحثهم رجالا ونساء على فعل الخيرات. على مساعدة المحتاج. وعيادة المريض. وإكرام الضيف والجار. يحثهم على التصدق ولو بشق تمرة، أو ابتسامة. يبغض في عيونهم المخدرات والمسكرات وكل ما يذهب العقل. يعلمهم احترام حق الإختلاف، والتعايش مع أهل الكتاب والمخالفين في المعتقد.

ولذلك عندما نصب الإسبان محاكم التفتيش لليهود في بلادهم، لجؤوا لتونس وتركيا وبلاد الإسلام الأخرى.

ولذلك أيضا تصدى أحد الكتاب اليهود المشهورين قبل أشهر قليلة للرد على بابا الفاتيكان الذي صرح برأي يشبه الرأي الذي تضمنته مقالتك. قال الكاتب اليهودي المنصف للبابا: إن المسلمين لم يجبروا يهوديا واحدا على تغيير دينه. وإن اليهود وجدوا الحماية عند المسلمين عندما نصبت لهم محاكم التفتيش.

أستاذة سلوى: عندما قاد الزعيم بورقيبة رحمه الله كفاح الشعب التونسي من أجل الإستقلال، كان هدفه الأسمى الدفاع عن الهوية العربية الإسلامية لتونس، ولم يخالفه في هذا إلا تيار صغير يسراوي متطرف، دعا لوحدة الطبقة العاملة في البلاد المستعمرة (بفتح الميم الثانية)  والبلاد المستعمرة (بكسر الميم الثانية).

إن لديك عقلا راجحا آمل ألا يسلمك للوقوع في مثل ذلك الخطأ التاريخي الذي وقع فيه الشيوعيون التونسيون أيام الإستعمار.

تأكدي، لو لم  يقبل أجدادنا دين الإسلام بقناعة وحرية، لردوا العرب على أعقابهم، مثلما فعلوا مع جيوش غازية أخرى كثيرة.

ثقي بالشعب التونسي أيها الأستاذة المبجلة، واطمئني لقدرته على التمييز.

مع فائق التحية والتقدير.
 

بسم الله الرحمان الرحيم
حق الإ ختلاف وواجب وحدة الصف

 بقلم :أبو أنيس
لعل أبرز ما انطبع في ذهني مما اطلعت عليه من كتابات في بداية مشواري مع العمل الإسلامي كتاب صغير في حجمه عظيم في ما دعا إليه و نظر له. كاتبه الشيخ راشد الغنوشي " حق الإختلاف وواجب وحدة الصف".ولا زلت أعتبر مااحتوى عليه من آداب و قيم بمثابة منهاج للعاملين في الحقل الإسلامي في تونس أو غيرها.
وإني على يقين أننا جميعا في حاجة لمن يذكرنا بتلك الآداب حتى نسير على هديها و نحن نتحاور حول مستقبل العمل الإسلامي في بلدنا الحبيب تونس.
لسنا في حاجة أن نذكر بفرضية العمل الإسلامي و وجوبه عينا على كل مسلم و مسلمة في كل زمان و مكان و أنه لا مجال في الإسلام للإستقالة من الإهتمام بالشأن العام لأنه كما قال المصطفى عليه السلام " من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"
إذا اتفقنا على هذا المبدأ العام أي وجوب الحراك على كل فرد آمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم من أجل نصرة و إعلاء شأن تلك الرسالة كل من موقعه و كل لما يسر له فإننا حتما نتفق أن الإختلاف في منهج و خطة تحقيق ذلك هو من سنن الله في الكون ومن طبيعة البشر النسبية . ولست هنا بصدد تأصيل حق الإختلاف فهي مسألة أخالها ليست خلافية بينا جميعا ولكني أود التذكير بآداب و حدود الإختلاف داخل صف العمل الإسلامي بكل تجلياته. و أعني بالعمل الإسلامي العمل الجماعي، لأني على يقين أن الفرد مهما علت همته و كثر حراكه فلن يقدر وهو فرد أن يقدم للإسلام الشيء الكثير . لن نتحدث أيضا عن وجوب الجماعة في الإسلام لأني أخال أننا جميعا نتفق حول هذه المسالة من حيث المبدأ. لذلك فإني سأتطرق فقط لبعض المبادئ العامة التي تؤطر أي اختلاف داخل الصف الإسلامي سواء بين الافراد أو بين الجماعات و في البدء لا بد أن نتفق حول إلغاء مصطلح الجماعة الإسلامية من قاموسنا السياسي إذ أنه لم توجد و لن توجد جماعة موحدة تنصهر فيها كل الخطوط والتيارات و يلغى فيها الإختلاف بل حتى الجماعة الإسلامية الأولى بقيادة الرسول الأكرم صلى الله عليه و سلم لم تخل من اختلاف في الرأي بين خيرة الصحابة رضوان الله عليهم، إذن فلا جماعة تدعي لنفسها تمثيل الإسلام بل كل جماعة تمثل فهما و رؤية معينة من الإسلام. إذا اتفقنا على ذلك فعلينا أن نتفق على القاعدة الأساسية التي لا بد أن نتواعد عليها جميعنا و نبايع الله عليها ما حيينا وهي أن لا ننجر إلى معارك جانبية ومكائد تعمل على ضرب التيارات الإسلامية بعضها ببعض لإضعافها و تشتيتها ففي ذلك تشتيت و إضعاف للصف الإسلامي و بالتالي للإسلام. إذا لا بد أن تكون وحدة صفنا ذات أولوية قصوى في كل عمل نقوم به وفي كل مبادرة نطرحها حتى و إن اضطررنا لتطبيق القاعدة الفقهية القائلة ب"ترك العمل بالراجح و الأخذ بالمرجوح من آراء السلف دفعا للمفسدة و جلبا للمصلحة" أي أنه يجوز في سبيل وحدة الصف و تأليف القلوب أن نأخذ ببعض الآراء الضعيفة في الفقه تحقيقا لمصلحة اجتماع كلمة الإسلاميين لهدف موحد.فكما يقول بعض العلماء : الإسلام يقوم على أساسين هما كلمة التوحيد و توحيد الكلمة أي وحدة المعبود ووحدة العابدين لقوله تعالى
" وأن هذه أمتكم أمة واحدة و أنا ربكم فاعبدون".
إذن فوحدتنا تتأسس على وحدة الإله ووحدة الرسالة و الرسول ووحدة الكتاب و المنهج و الهدف و بالتالي وحدة المواقف العملية تجاه قضايا الأمة المصيرية الكبرى، كنبذ الظلم والإستبداد و نصرة المظلومين. ولا تعني تلك الوحدة وحدة الإطار التنظيمي أو الحزبي ولكن هي كما قلت وحدة الفكر و المنهج و الهدف إذ أنه من المستحيل توحيد كل العاملين للإسلام في تنظيم موحد وقيادة واحدة، و ذلك لاختلاف العقول و تباين المفاهيم و اضطراب الأولويات.
فتعدد الجماعات الإسلامية أمر مشروع شريطة أن يكون تعدد تنوع و إثراء و تخصص و ليس تعدد مصالح و تباغض و تشاحن و هدم السابق. و إنه من رحمة الله بنا أن أتاح لنا الإختلاف في الفروع و طرق الإستنباط إذ جعل القرآن منه آيات محكمات و أخر متشابهات و لو أراد الله أن يجمع الناس على قول واحد و رأي واحد لجعل كل الآيات محكمات و لأنزل القرآن بلغة ليس فيها مجاز و لا كناية ولا مجمل ولا مقيد ولا تصريح ولا تلميح ولا إماء. ولكنه تعالى اختار لغة العرب لما تحتويه من ثراء الدلالات البلاغية، حتى نجد متسعا في شرع الله فلا نقع في الحرج. و حسبنا ما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه "ما يسرني أن أصحاب رسول الله اتفقوا و لو فعلوا لكانت شدة و كانت مشقة و لكن اختلفوا فكانت رحمة". لذلك نجد في الفقه رخص ابن عباس و عزائم ابن عمر، إذ كان الأول يجلس بعيدا عن الحجر الأسود قائلا " لا يؤذي ولا يؤذى" بينما الثاني كان يزاحم إلى الحجر الأسود حتى تدمى قدماه .
إذن فالتعددية الفقهية والتنظيمية الحركية جائزة بل مطلوبة إذا كانت من باب كلكم على ثغرة. أي انت تعمل في مجال الفكر و ذاك يعمل في السياسة و آخر يعمل في العمل الخيري و الإجتماعي و حركة تعمل للتربية و الإعداد ....
أي تخصصات تكمل بعضها بعضا و تخدم لهدف واحد هو التمكين لدين الله، وتناصر بعضها بعضا. فليس هناك فرقة ناجية تدعي احتكار الحقيقة، فإذا سلمت العقيدة واقتدي بالحبيب صلى الله عليه و سلم و اصحابه في فهمهم الشامل المعتدل المتوازن الذي يقوم على رعاية الأولويات و المرحلية و التدرج والوسطية و التكامل فكل الفرق ناجية بإذن الله. لذلك وجب أن يعذر بعضنا بعضا في مواطن الإجتهاد (الفروع) و أن نقف كلنا في خندق واحد إزاء قضايا الوطن المصيرية كقضية مقاومة الإستبداد و فرض الحريات في إطار هوية الشعب و أن لا نتحالف مع الظالمين ضد المستضعفين مهما كان خلافنا معهم و أن نضع الألفة و التراحم بيننا في المقام الاول فلا نسلمهم للظالم و لو بنصف كلمة. و أن يكون راسخ لدينا ان أخي في الله، و إن لم يحز أي لقب أمام اسمه هو خير لي و أحب إلي من الظالمين و أعوانهم و إن جمعوا من ألقاب الفخامة و السيادة و العلم ما جمعوا. و حسبنا قصة النبي صلى الله عليه و سلم مع الأعمى بن أم مكتوم. وأن نقر أنه لا توجد عصمة لأي كان مهما كان تاريخه و بلاءه في الدعوة و أن نطلق ثلاثا، الرأي القائل" من معي فهو قديس ومن ليس معي فهو إبليس" لأنه نفس منطق الإستبداد سواء العالمي أو القطري.فلا بد إذن أن نقر حق الآخرين في الإجتهاد بما يرونه أولويات، خاصة إن كان اجتهاد مؤسسات لا أفراد، فلا نعتبر أن ما توصلنا إليه هو الحق وأن غيره باطل لا بد من إزالته و إلغائه والبناء علي أنقاضه .و من الآداب أنه إذا أخطأ أحدنا و بان له الخطأ فلا يكابر بل يتراجع و يقف مع الحق مهما كان مصدوه فلسنا خيرا من أبي موسى الأشعري عندما قال له عمر: "لا يمنعنك قضاء قضيته اليوم فهديت فيه لرشد أن تراجع فيه الحق فإن الحق قديم لا يبطله شيء و مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل" و حتى لو بقينا على اختلافنا فلا بد أن تتحد قلوبنا إزاء الباطل و الظلم و إن لنا في أئمتنا لأسوة حسنة، فمالك والشافعي اختلفوا كثيرا ورغم ذلك كان الشافعي يقول "مالك حجة الله على خلقه" و يقول "لولا مالك وابن عيينة لذهب العلم من الحجاز" و يقول " ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مالك". فلا بد للعامل في الحقل الإسلامي أن يذود عن عرض و كرامة إخوانه حتى في غيابهم فهذا عبد الله بن نظارة و رغم مخالفته لأبي حنيفة لما رأى رجلا ينتقص من أبي حنيفة نهره قائلا:" يا ناطح الجبل العالي ليكلمه (أي ليجرحه) أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل" و ذاك بن حنبل ما بات ليلة طيلة 30 سنة دون أن يدعو للشافعي. و هذا الشافعي يقول لما رحل من بغداد إلى مصر : " والله لقد تركت بغداد و ما خلفت فيها أورع ولا أعقل ولا أهدى ولا أعلم من أحمد بن حنبل " أما إذا خرج الواحد منا على قائده أو جماعته فراح يتلذذ باستنقاص الناس له في كل محفل ثم ما يلبث أن يعمل سيوفه في قائد الامس في أول مناسبة تتاح له و يصفه بكل نقيصة فهذا ليس من خلق الإسلام في شيء. ثم إ ن من أدب التعدد أن لا يكون شغلنا تتبع عثرات الآخرين و سقطاتهم. فالبعض ليس له كلام ولا فعل إلا انتقاد أخطاء السابقين و كأنه كما يتقرب إلى الله بالتسبيح و التهليل يتقرب إليه بتعداد أخطاء الآخرين أو ما يحسبه كذلك. فتراه لا يكل ولا يمل من إعادة نفس الإسطوانة المشروخة كلما أتيحت له الفرصة. وينسى قوله صلى الله عليه وسلم " من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس" مهما أخطأ الدعاة في اجتهاداهم فلا ننقص من فضلهم شيئا ولا ننسى سبقهم و جهادهم و بلاءهم و حسبنا ما قال ابن القيم رحمه الله: "إن من قواعد الشرع و حكمة الإسلام أن من عظمت حسناته و كثرت فضائله و خيراته وكان له في الإسلام تأثير ظاهرفإنه يحتمل منه ما لا يحتمل من غيره و يعفى له ما لا يعفى لغيره " بقي أنه علينا إبداء النصح و البيان للكل بشرط أن نتمثل آداب النصيحة المعروفة والتي ذكرنا بها الأخ في عدد سابق جازاه الله خيرا.
و رأيي في ما يعرف بالنقد الذاتي للعمل الإسلامي هو أن يكون متواصلا دون انقطاع داخل مؤسسات يمكنها إصلاح الخطأ فهو أمر حيوي لحركة الإسلام . فلست ممن يدعي أن النقد الذاتي للحركة الإسلامية عموما يصب في مصلحة الخصوم. فيتخذها حجة للهروب إلى الأمام و مراكمة الأخطاء. ولست مع من لا هم له سوى نشر الغسيل أينما اتفق و كيفما اتفق دون رغبة حقيقية في الإصلاح. فالناقد برأيي، لابد أن يتحرر من دواعي الهوى و يكون نقده خالصا لله. ثم أن يكون الناقد عارفا بموضوع النقد مالكا للمعلومة الصحيحة الصادقة و أن نلتزم آداب النقد البناء و نتحرى الأسلوب الملائم و الوقت المناسب و المقام المناسب أي مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
و على الحركة الإسلامية أن تقبل النقاش و الجدال إلا إن كان من الجدال المذموم شرعا كأن يكون جدالا بالباطل " و جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق " أو أن يكون جدالا عن أهل الباطل " ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم" أو كان جدالا قائما على غير بينة " و من الناس من يجادل في الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير" أو كان جدالا بقصد العلو والإستكبار
" إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم إن في صدورهم إلا كبر ".
فكل نقد جرى بآدابه وفي وقته و مكانه و أدى إلى الخير فهو محمود. و إن كان لمجرد تسجيل موقف أو أدى إلى إلى شر و إضعاف للصف فهو مذموم وفاعله آثم. فالنقد الذاتي بنتائجه و ما يؤول إليه." ودرء المفاسد قبل جلب المصالح" و لعمري إن أكبر مفسدة ابتليت به بلادنا هي الإستبداد الفكري و السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي و من المفاسد الكبرى العمل على إضعاف العاملين للإسلام بشق صفوفهم و إثارة الفتنة بينهم و صرفهم عن العمل والجهاد بقضايا هامشية. فلنتوحد إخوتي في درء تلك المفاسد لعل الله يرحمنا ثم نفكر جميعا في الطريق السليم لجلب المصالح لبلادنا و شعبنا و إخوتنا داخل السجون الصغرى و الكبرى عجل الله بفرجهم جميعا.
أبو أنيس

إلى الأخ محمد النوري: أريد أن أفهم...
 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده.

إلى الأخ محمد النوري: أريد أن أفهم.
كتبه: حبيب الرباعي
قرأت الحوار الذي قام به الطاهر العبيدي مع الأستاذ محمد النوري تحت عنوان : حركة النهضة التونسية 26 سنة من الظهور السياسي: الزرع والحصاد حوار مع محمد النوري. والذي وقع نشره في أكثر من موقع ألكتروني.
لم أكتف بقراءة واحدة لرد الأخ النوري عن السؤال الأول والمتعلق بالوضع الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد، بل أعدت القراءة مرات عساني أجد نسيجا موضوعيا يربط بين فقرات الإجابة. ولكن في كل مرة أعود لأتّهم عقلي بالقصور عن الفهم الصحيح، مما دفعني لصياغة أسئلة حول بعض القضايا التي جاءت في الحوار، مثلت عائقا أمامي للفهم السليم.
جاء في كلام الأستاذ النوري: "بالنسبة للوضع الاقتصادي والاجتماعي بتونس، يبدو من الضروري جدا تحييد هذا الأمر عن كل موقف أو توظيف سياسي لأي طرف كان، والابتعاد قدر الممكن عن منطق التهوين والتهويل معا ....
وعللت هذا الموقف بثلاثة أسباب:
1. لأن في كلا الموقفين إضرارا بالحقيقة.
2. وقفزا على الواقع ومسّا بمصلحة البلاد.
3. لا يخدم أيّ هدف وطني نبيل على الإطلاق."
والأسئلة التي حيرتني في هذا الصدد هي:
من يوظف المؤشرات الاقتصادية لصالحه، ويقوم بتعبئة الرأي العام حوله باستمرار لتثبيت موقعه.. السلطة أم المعارضة؟
هل ثمة تكافؤ للفرص بين الطرفين المتعارضين ـ السلطة المعارضة ـ لاستثمار المعطى الاقتصادي لصالحه سياسيا وإعلاميا؟
لو افترضنا أن الطرف الأضعف في الوصول إلى المعلومة و الأضعف من حيث الامكانيات الاعلامية، ـ وهي المعارضة ـ التزم بالموضوعية والحياد تجاه القضايا الاقتصادية والاجتماعية بالبلاد، فهل سيلتزم الطرف الآخر وهو النظام بنفس المنهجية ويكف عن الترويج لمعطايات لا تخدم إلا مصلحته السياسية وتثبيت استبداده بالسلطة عشرات السنين؟
إذا كنت قد كتبت هذه الكلمات وأنت تستحضر في ذهنك عدم تكافؤ الفرص بين السلطة والمعارضة في التوظيف السياسي للمعطى الاقتصادي والاجتماعي، وتستحضر في ذهنك ـ أيضا ـ استحالة عدول السلطة عن هذا التوظيف لا في المستقبل القريب ولا البعيد، لأن القضية مصيرية بالنسبة له. فهل تعتبر نفسك محايدا؟ والحال أن مطلبك سيقابل بالرفض من السلطة يقينا وبالقبول لدى بعض الأطراف المعارضة ظنا.
من يمس بمصلحة البلاد، حين قلت: "قفزا على الواقع ومسّا بمصلحة البلاد": الذي لا يملك حتى المعطى الحقيقي عن الواقع الاقتصادي للبلاد فيلجـأ إلى تقارير مؤسسات دولية كما فعلت أنت للكتابة والتعليق عليها.؟ أم الذي يضع يديه على ثروة البلاد تصرفا وتخطيطا وتقنينا ومسكا لاحتياطيات البلاد؟
أم تقصد بـ "مس مصلحة البلاد" تشويه صورة البلاد أمام الرأي العام الداخلي والخارجي؟
إذا كان كشف الحقائق عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي التونسي أمام المواطن البسيط ـ بما ـ توفر من معلومات بسيطة، "لا يخدم أيّ هدف وطني نبيل على الإطلاق" كما يفهم من كلامك، فلماذا لم تبقِ أنت للنظام حسنة يتباهى بها أمام الشعوب، ولم تذر له فضلا على أحد. حيث قلت في فقرات تالية: "يكفي التأمل في تقارير وتوصيات المؤسسات الدولية الداعمة للحكومة والناصحة لها بمزيد الجهود للتغلب على هشاشة النمو وتقلباته وضعف كفاءته إزاء المعضلات المتفاقمة مثل البطالة والمديونية والفجوة المالية والانكشاف الغذائي وتراجع الاستثمار وهجرة الأدمغة والكفاءات وظواهر الفساد وغياب الشفافية واستفحال الحيف الاجتماعي. ودعك من شهادات التقدير والاستحسان فهي غالبا ما تكون للاستهلاك والحث على المواظبة في تنفيذ الشروط والإصلاحات! بينما حقيقة الموقف تجدها في التقارير الرسمية المحدودة التداول عموما! ويمكن الرجوع على سبيل المثال إلى تقارير البنك الدولي رقم 25456 و29847 لعام 2004 الذي يعبر فيه بوضوح تام عن عدم تفاؤله في قدرة الاقتصاد التونسي على التغلب على الصعوبات المتزايدة."
لا أجد مسلما آمن بقيمة الصدق كمقوم أساسي في العلاقات الاجتماعية، يخالفك في ضرورة الالتزام بالموضوعية في عرض الواقع الاقتصادي بالبلاد خشية "الاضرار بالحقيقة" كما ذكرت، ولكن هل استطعت أنت أن تمرر فكرة العلمية في الطرح، دون أن تذكر ما يؤز النظام أزا؟
إذا لم تستطع أنت فعل ذلك على مكانتك العلمية؟ فكيف يستطيع من هو دونك علما ومقاما؟
ذكرت في نفس الفقرة "اتحتل تونس المرتبة 87 من ضمن 177 دولة مصنفة وهي بالمناسبة مرتبة متوسطة ومتواضعة، ليست بالقياسية حتى يروّج البعض للمعجزة الاقتصادية ولا بالسلبية جدا حتى يحذر البعض الآخر من الكارثة!.."
هذا الإستنتاج أو الحكم على الوضع الاقتصادي التونسي مبني على تقرير لمؤسسة دولية، ولا أحسب أن أحدا يناقشك فيما استخلصته من تقييم لمرتبة تونس بحسب التقرير، أنها تتقرب إلى المتوسط.
ولكن الإشكال عندي كمواطن غير مختص بالشؤون الاقتصادية، يتمثل في حصولي على تقريرين متعارضين (وأقتصر في هذا المقام بما أرودته في مقالك من معطيات في تقرير مختلفين) : أحدهما يذكر المرتبة التي عليها الاقتصاد التونسي ضمن أغلب دول العالم. والآخر يحدثني عن المعضلات المتفاقمة والفساد والحيف الاجتماعي وكل ما ذكرته عن تقرير البنك الدولي في الفقرة أعلاه.
فهل أن الموضوعية تقتضي أن أجمع بين التقريرين؟ أو أن أتبنى تقريرا دون الآخر كما فعلت بتبنّيك التقرير الذي صنف تونس رقميا، للخروج من إشكالية التطرف في الحكم؟
ألست معي في أن إنكار تقرير لمؤسسة دولية ـ يفترض فيها الحياد ـ إضرارا بالحقيقة وهو ما تخشاه؟ وهل أن الحقيقة تتجزء؟
لعل الحل لمعضلة تعارض التقارير الرسمية، يكمن في ضرورة الأخذ بقواعد علم "مختلف الحديث" الذي حدد الأسلوب الأوفق للتعامل مع الأحاديث المتعارضة. فنقوم كحل توفيقي بعرض معطيات التقارير الرسمية على الواقع أفرادا ومؤسسات عامة وخاصة للإقتراب أكثر من الحقيقة، التي لا يقدر أحد على الجزم بها مهما أوتي من علم واطلاع.
جاء في مقالك: "مشكلة السياسة والسياسيين في تونس هي هنا! عندما نخوض في قضايانا وهمومنا غير السياسية، الاقتصاد مثلا، غالبا ما نتناوله بخلفية سياسية بعيدة عن الموضوعية والدقة...."
أسأل الأستاذ هنا: هل بقي شئ من السياسة ـ في هذا العالم ـ غير الاقتصاد؟
ما هي مقدمات الحروب العسكرية التي تشنها قوى الهيمنة في العالم، أليس الحصار الاقتصادي؟
ما هي الأسباب المباشرة (لا أقول العميقة) للأزمة التي تعيشها حكومة حماس أليست قضية إقتصادية بالأساس؟
ألم يدخل المستعمر الفرنسي لتونس ليضع يده على الثروة التي هي حق لجدك وجدي وكل التونسيين بدعوى حماية حقوقها المالية التي (أخلفت) تونس تعهداتها بدفعها؟
ألم يكن السبب الحقيقي للحرب العالمية الأولى والثانية والتي راح ضحيتها ملايين البشر هي الإختلاف على بسط النفوذ في المناطق الغنية بالثروات؟ لماذا لم تستعمر المناطق التي لم تكتشف فيها ثروات؟
لماذا تحدّت ألمانيا الإجماع الأوروبي في قطع العلاقات الاقتصادية مع إيران في الثمانينات أليست المصالح الاقتصادية هي التي دفعتها لذلك؟
اذكر لي مرة واحدة حصلت فيها انتخابات في العالم الغربي، لم يكن العامل الإقتصادي في مقدمة برامج الدعاية الانتخابية، ولم تكن الملفات القضائية المتعلقة بالمخالفات المالية حاضرة فيها من هذا الحزب ضد الحزب الآخر؟
قضية شيراك ومصاريف رحلاته الخاصة والتي ذابت (سرقت) أدلة الإثبات فيها قبل نهاية دورته الأخير. قضية ألان جيباي وشروتسكان وهالموت كول.....
لندَع هذا وذاك ولنعد إلى مضمون مقالك لنجد فيه الاجابة
بعد أسطر من قولك: "عندما نخوض في قضايانا وهمومنا غير السياسية، الاقتصاد مثلا،......" قلت ما يلي:
"تخطئ الحكومة إذا أصرت على مواجهة هذه التحديات بمفردها في ظل الانغلاق والتشدد والانفراد بالقرار وإقصاء الطاقات والكفاءات والقوى الوطنية بكل أطيافها وانتماءاتها السياسية والفكرية."
"لا مناص من الحوار السياسي طال الزمن أم قصر من أجل وفاق وطني حول هذه التحديات (الاقتصادية) المصيرية التي تتهدد الجميع دولة ومجتمع،سلطة ومعارضة،أفرادا ومجموعات دون استثناء! "
"المطلوب حوار وطني مفتوح حول الشأن الاقتصادي يشارك فيه الجميع من أجل مصلحة الجميع."
إذا فهمت من الجملة الأولى، أن الاقتصاد لا علاقة له بالمسألة السياسية، أكون ساعتها عاجزا عن فهم المطالب والنداءات التي جاءت بعد ذلك.
إن التحول الخطير الذي حصل في الخطاب الرسمي للحركة ما بين سنة 84 و87 إثر الانتقادات المتتالية من المعارضة العلمانية، التي ركّزت على رفضها للصبغة الاسلامية التي كانت الحركة تصوغ بها بياناتها، بدعوى أن الخطاب الديني يحرك عواطف كل التونسيين، ولا يجوز لأحد أن يحتكر الصفة الاسلامية في مجتمع إسلامي.
ورغم إنكار الحركة في بياناتها وتصريحات قياداتها لهذا الإدعاء إلا أن المتأمل في بيانات الحركة يجد أنها أصبحت مع مرور الزمن لا تختلف كثيرا عن غيرها ولا تكاد تتميز عنها بشئ.
فهل أن كلامك هذا يمثل دعوة من داخل الحركة لفصل القضايا الاقتصادية عن المجال السياسي؟
وإذا كان السبب في الدعوة لهذا الفصل هو أننا: "غالبا ما نتناوله (أي الملف الاقتصادي) بخلفية سياسية بعيدة عن الموضوعية والدقة....." فإننا نخشى أن يأتينا مختص في علم الاجتماع ويطالبنا بفصل القضايا الاجتماعية (من زواج وطلاق وصلة أرحام....) بنفس المبرر، ويأتي عالم التربية ورجل القانون والصحة والادارة والتجارة والفن ... ليقول لنا الجميع إنكم تخوضون في قضايا لها أصول علمية وضوابط محكمة، صيغت فيها بحوث واختص فيها مختصون ونأبى عليكم أن تجعلوها أداة لمنافسة سياسية.
ماذا تفيد الأطروحات التي يمكن أن تنكب على وضعها ومناقشتها كفاءات البلاد من رجال الإقتصاد. والحال أن هؤلاء لا يملكون أي سلطة لإيجاد الهيكلية المناسبة لتنزيل أطروحاتهم؟.
ماذا سيفعل هؤلاء الرجال الوطنيين المخلصين أمام "المعضلات الهيكلية المزمنة التي تنخر جسم الاقتصاد منذ عشرات السنين،" ؟؟؟
هي ساعة من ليل أو نهار:
كلام كثير يقال، وكلمات كثيرة تحبر، منطلق ذلك خدمة الاسلام، ويبقى سؤال الآخرة عن كل ذلك على غير ما تتصور عقولنا حين ينادي المولى جل ثناؤه: " وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ " ويقول الواحد منا ساعتها "يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا" وإذا شهد الواحد منها شهادة معينة فإنها ستكتب مرتين: مرة في وسائل الكتابة في الدنيا قد تنسى، ومرة أخرى لن تنسى أبدا بأمر الله "سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ" .
هي ساعة من ليل أو نهار نتحول أثناءها من فوق الأرض إلى تحت الأرض في انتظار يوم العرض ويا سعادة من نجا.
تحية طيبة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
(المصدر: موقع "الحوار.نت" (ألمانيا) بتاريخ 18جوان 2007)
 


منذر صفر رجل كألف وألف كأفّ
 

أحمد الورغمي
a_ouerghemi@yahoo.fr

منذر صفر رجل قمّة في الحس الإنساني، لقد اجتمعت فيه صفات عديدة، ابتداء بالرجولة والشجاعة والكرم والأخلاق العالية وحسن التربية والمبدئية والنشاط الحيوي، رجل مناضل بامتياز لا يكل ولا يمل، ولا يتأخر في تقديم المساهمات المادية والإنسانية دون ثمن لا مقدم ولا مؤخر للمحتاجين، رجل لم يبخل يوما في الدفاع عن المظلومين والمقهورين والمعذبين...رجل كالجبل صامدا في وجه كل المستبدين، رجل ليس أنانيا ولا يبغي من وراء عمله جزاء ولا شكورا، منذر صفر يبلغ من العمر 57 سنة لم يتزوج ولم ينجب الأولاد والبنين ولكنه أب لكل المظلومين والمعذبين والمشردين والمسجونين والهاربين من بلدان القهر والاستبداد
منذر صفر قمة في الوعي والرجولة والذكاء وهو رجل ميدان وفعل لا كلام وتنظير...
فتحية خالصة مني إليه وإلى كل من يحترم هذا الفصيل من الرجال الذين يشرّفون تونس


كــا بــــوس
 

صــابر التونسي

يستيقظ الزعيم من نومه مرعوبا صارخا:

أين الحرس ؟؟ .... أين رجالي الأشداء؟؟ ... كيف تسنى لهؤلاء أن يفسدوا علي نومي ويزعجوني في أحلامي ؟؟ ... أبعدما شردتهم ومزقتهم كل ممزق؟؟ ... أين أوامري بأنه لا يحق لأحد أن يحلم إلا بما يوافق هوانا وأنه لا يحق لأحد أن يزعجنا ولو في أحلامنا؟؟!!

يفزع الحرس إلى مخدع الزعيم:
مالك يا سيدنا وولي أمرنا ونعمتنا من أزعجك وطير النوم من عينك ... نحضره الآن بأمرك بين يديك وقبل أن يرتد إليك طرفك!!

الزعيم: لقد تمكنوا حقا من أن يزعجوني ويرعبونى وأنا الذي يعرف العباد شدتي وبطشي وقهري!

العسس: من هم يا زعيمنا؟؟

الزعيم: إنهم كثر... جمع من المرتزقة ... وأعداء "البلاد" ... المتآمرون على أمننا واستقرارنا... العاملون لمصلحة أجندات أجنبية!!

العسس: لا عليك يا مولانا ... عد إلى نومك ولا تشغل بالك بالأعداء والمتربصين ... فهم أقل من أن ينالوا منك ... ونحن نكفيكهم ... وما كنت يوما لتعمل لهم حسابا ... فما الذي تغير؟؟ ... وهل ترى في أدائنا تقصيرا حتى يطير النوم من عينيك؟؟

الزعيم: الحلم كان مزعجا هذه المرة ... بل لقد كان كابوسا مفزعا ... فقد رأيت الأعداء يحدون شفراتهم وينتظرون غفلة مني لينقضوا على بقرتيّ السمينتين ... إنهم يريدون الإنتقام من بقرتيّ لأنني أطلقتهما لترتعا حيث شاءتا في مملكتي ...
أقسم "بشرفي" وشحم بقرتي السمينتين أن أنتقم من كل من تسول له نفسه التفكير في إزعاجي أو النيل من حرية بقراتي ... ولو في مجرد الأحلام!!

العسس: لا تزعج نفسك ولا تحمل هما من هذه الناحية فبقرتيك بأمن وأمان "تحلقان" في الضياع وتتنافسان في اختيار الأطيب والأشهى ... ومواطنوك كلهم رضا وقبولا وتكريما وإجلالا لهما ولا يمنعونهما مما يمنعون منه أنفسهم وأطفالهم!!
بل إن شدة التكريم تجعلنا أحيانا نعتقد بأن بعض مواطنيك قد اعتنق "مذهب" الهندوس في تكريم البقر وتقديسه!!
ما يزعجنا يا سيدنا ليس الخوف على البقرتين من الأعداء وإنما نشوب النطاح بينهما من حين لآخر على مرتع أو خصب ـ رغم كثرته ـ ولا ندري كيف نتدخل بينهما بما لا يغضبك أو يغضب إحداهما!!

الزعيم: إني أرى ما لا ترون ... إني أرى نارا تحت رماد ... وأرى سكاكين تشحذ ولعابا يسيل ... وشفاها تبتسم وخلفها أنيابا حادة وبطونا جائعة !!

العسس: أوامرك سيدنا ومولانا ....

الزعيم: لا تتركوا لهم فرصة للإجتماع أو التقاط الأنفاس ... اقلعوا أنيابهم قبل أن يعضوا ... انزعوا أسلحتهم ... واقطعوا ألسنتهم!!

العسس: كيف نميزهم من عامة شعبك؟؟

الزعيم: أن تخطئوا في العقوبة خير من أن تخطئوا في العفو!! ... ومن ليس معنا فهو ضدنا... ومن معنا يختبر ويبتلى على قدر ولائه وقابلية تحوله إلى جبهة أعدائنا ... ولا تأمنوا أحدا وإن كان من أقرب المقربين!! ... واعلموا أن قرة عيني في سعادة بقرتيّ!!

ثم عاد سيادته إلى النوم ليفزع من جديد:
كابوس!! ... كابوس!! ... كابوس!! مفزع ... مزعج ... مرعب ..!!
رأيتهم شكلوا مجلسا وطنيا "إنتقاليا" رأيتهم يحررون "كلمة" البيان الأول .....!! ... يحسبون أنني انتهيت ... سيرون من أنا ... سأنتقم منهم ... سأغلق أبواب كل المجالس ... سأحرم كل الكلام وأقطع الألسنة المتفوهة "بكلمة" ضدي ... سأحذف كلمة "مجلس" من القاموس ... وقد أمرنا من الآن ومن فراش الحكم بتغيير اسم مجلس النواب إلى "ودادية النواب" فلا مكان بيننا إلا لودود ...!!
حتى يزول الكابوس ... ولا أدري متى يزول!!

انتظر إنا معك من المنتظرين!!

(المصدر: مجلة "كلمة" (شهرية اليكترونية – تونس)، العدد 54 لشهر جوان 2007)
 

كشاف الموضوعات العدد 128 من المجلة التاريخية المغاربية مجلـة محكّمـة
 

صدر لدى منشورات المؤسسة العدد 128 من
المجلة التاريخية المغاربية
مجلـة محكّمـة
مؤسسها ورئيس تحريرها
الدكتور عبد الجليل التميمي
الأستاذ المتميز بكلية العلوم الإنسانية والإجتماعية لجامعة تونس
الرقم الدولي الموحد للدوريات 8987 – 0330

السنة الرابعة والثلاثون                العدد 128                جوان / حزيران 2007

كشاف الموضوعات العدد 128


1 - القسم العربي
ملف العدد: ليبيا محورا الصفحة

- د. ليسير، فتحي.- الأحزاب الوطنيّة والحياة الحزبيّة في ليبيا غداة الحرب العالميّة الثانية (1946 – 1949) ...................9
- د. العرفي، علجية بشير.- الصحافة الحكومية في ليبيا (1943 -1951) ......................................................67
- اللولب، حسن.- الصحافة التونسية والحرب الإيطالية الطرابلسية ..............................................................81
بحوث أخرى:
- د. أوعامري، مصطفى.- أضواء على النشاط الوطني للكشافة الإسلامية الجزائرية بعمالة وهران (1939-1945) ............93
- د. التميمي، عبد الجليل.- لغة أواخر الموريسكيين وإقامتهم بالمغارب من خلال نصوص وفرمانات عثمانية جديدة .........………107
- د. حماش، خليفة.- عدد الأولاد داخل الأسرة في مدينة الجزائر في العهد العثماني .........................................125
- د. لونيسي، إبراهيم.- البعد الوحـدوي المغاربي في جـريدة "المنار" الجزائرية (1951-1954) ..................................137
- معاشي، جميلة.- أسرة أحرار الحنانشة بين بايات قسنطينة وبايات تونس ......................................................147
- د. هلايلي، حنيفي.- أزمة صيف 1962 بالجزائر من خلال كتابات بعض مسؤولي الثورة الجزائرية .........................
163
- د. ولد النبية، كريم.- نواب الإدارة الاستعمارية المحلية في الجزائر : انتخابات 1947، بلدية عين تموشنت المختلطة نموذجا .185
أطروحات حول المغرب العربي :
- الحداد، خالد.- بورقيبة والإعلام : جدليّة التمثّل والممارسة .................................................................201
ملاحظات ووثائق ومراجعات كتب :
- د. بن يوسف، عادل.- وثيقة تاريخية: قصيدة في مدح الماريشال بيتان .......................................................221
- د. حافظ عبد الرحيم، الزبونية السياسية في المجتمع العربي قراءة سوسيو-سياسية في تجربة البناء الوطني بتونس، (عرض الحبيب درويش) ...............
237
- عبد الرؤوف سنّو، ألمانيا والإسلام في القرنين التاسع عشر والعشرين (د. عمر كوش) ......................................247
- تاريخ تونس والمغرب العربي في الأعداد الجديدة من المجلة التاريخية المغاربية (د. محمد ضيف الله) ......................251
- آخر ما ورد على المؤسسة من منشورات .....................................255
2 - القسم الفرنسي والإسباني والإنقليزي
البحوث :
- د. أزيزا، ميمون.- السياسة الإسبانية بخصوص تهيئة المدن بشمال المغرب في عهد الحماية : مثال مدينة تطوان ............9
- د. بوزيد، لمجد. – العادات : ملاحظات حول أقساط الزيت المعطاة لمحميي باي تونس في نهاية القرن الثامن عشر ..........21
- د. الغول، يحي.- قانون الشغل في تونس لسنة 1910 : الجدل الفرنسي والتطبيق الاستعماري .............................29
- د. فابر، جيلبار. – الرسالة والروح أو عودة مخطوط إلى الحياة ودلالاته في الأوساط الموريسكية بأراغون ...............75
- غيلاس، فرانسيس. – مستقبل الهجرة السياسية والجوار وسياسة الحصار .....89
- د. مينيي، جلبار.- من أجل تاريخ نقدي للجزائر ...................................97
- راموس أورتيز، مايت.- أصوات ماريا دو زاياس وسوتومايور : المدجّن والمسلم في لاخواز دو سي كوزا .................107
- د. التميمي، عبد الجليل.- لغة أواخر الموريسكيين وإقامتهم بالمغارب من خلال نصوص وفرمانات عثمانية جديدة .............117
ملاحظات ووثائق :
- بجاجة، عبد الكريم.- لمحة تاريخية حول مدرسة قسنطينة (1909-1983) ....133
- غيلاس، فرانسيس. – بنك للبحر الأبيض المتوسط .............................139
- د. التميمي، عبد الجليل. – كلفة اللامغرب : ملف البحث العلمي ................143
سيمنار الذاكرة الوطنية :
- سيمنار مع الأستاذ عمر الشاذلي حول إنشاء كلية الطب .......................151
- استدراك .......................................................................183
- آخر ما ورد على المؤسسة من منشورات .....................................189

(المصدر: مراسلة اليكترونية من مؤسسة التميمي بتاريخ 19 جوان 2007)
 

الوجود الإسلامي في الغرب معالم في طريق الاندماج الإيجابي

* خميس قشة الحزامي - هولندا-
يرجع الوجود الإسلامي في الغرب حسب بعض المؤرخين إلى عهد الأمويين عند فتح الأندلس الذي شهد أول دخول للإسلام إلى أوروبا من جنوبها الغربي، بعدها وصل المسلمون إلى جنوب فرنسا، ثم إلى شرق أوروبا بعد الفتح العثماني الذي وصل إلى فيينا عاصمة النمسا، فاعتنق عدد كبير من سكان هذه المنطقة الإسلام ليشكلوا بعد ذلك الأقليات المسلمة الموجودة شرق أوربا وغربها حتى اليوم، تبعها فيما بعد هجرات متتالية للمسلمين من دول عربية وإسلامية إما كلاجئين أو لطلب العلم أو من أجل الرزق.
ويعتبر الوجود الإسلامي في الغرب عفويا دون تخطيط ولا ترتيب مسبق، مر في عقوده الأولى بالتذبذب وعدم الاستقرار، و لم يستطع المجتمع الغربي آنذاك أن يصهره أو يذيبه في نسيجه الثقافي والاجتماعي، ومع تعثر خطوات الاندماج الايجابي و اضطراب الهوية لدى البعض من الناشئة من بلد إلي آخر، ضل المهاجرون المسلمون يتلمسون الطريق حتى أدركوا واجبا تهم وحقوقهم كمواطنين أوروبيين، فانخرطوا في بناء المجتمع المتعدد الثقافات، يعملون لصالح أوطانهم، و يحرصون على أداء واجبا تهم منتجين مبادرين لنفع غيرهم ، و نجحوا في إقامة محا ضن ومؤسسات تربوية وثقافية اجتماعية ودينية. ويعتبر الوجود الإسلامي في الغرب خيرا للمسلمين و خيرا للغربيين لأنه يعين على تواصل المسلمين بغيرهم، ويساهم في محو الأفكار الخاطئة في أذهان البعض من الغربيين، وهو همزة وصل بين الغرب والعالم الإسلامي الذي يمتلك ثروات وخيرات و تربطه بالغرب مصالح اقتصادية كبيرة .
ويمر الوجود الإسلامي في أوروبا بعد أحداث سبتمبر بحملة إعلامية عدائية متصاعدة تشنها أحزاب اليمين تعالت أصواتها المحذرة من خطر أسلمة أوروبا و منذرين بإعصار إسلامي يشكل تهديدا للمجتمع الغربي وهويته، وفي ظل هذه المخاوف والضغوط المستمرة التي تمارس على المسلمين ينظم المركز الثقافي الاجتماعي بهولندا المخيم الشبابي الأوروبي الخامس بعنوان "الوجود الإسلامي في الغرب معالم في طريق الاندماج الإيجابي" بحضور عدة وفود شبابية ممثلة لمنظمات أوروبية، وبمشاركة أبرز قيادات العمل الإسلامي بأوروبا والعالم الإسلامي، فضلا عن مشاركة شخصيات هولندية تعرف بتعاطفها مع قضايا الأقلية المسلمة، وستنطلق فعاليات هذا المخيم بداية شهر أغسطس 2007 و يتواصل على مدى أربعة أيام تناقش فيها أنجع البرامج والسبل لحل هذا التشابك حيث يفتح باب الحوار والنقاش بين مكونات المجتمع الواحد في جو من الاحترام لنشر ثقافة الحوار و التسامح .
إنها فرصة يتدارس فيها المشاركون أوضاعهم الحالية والمستقبلية - حيث أنهم يمثلون جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة - عبر الآراء والأفكار والمقترحات البناءة التي تضع خطط وبرامج وتؤسس لانخراط أفضل في الحياة الاقتصادية و السياسية من منطلق المواطنة الفاعلة، لان المسلمين الذين أصبحوا جزءاً من المجتمعات التي يعيشون فيها، يدافعون عن حقوقهم و يعبرون عن آرائهم ومواقفهم أفرادا وجماعات ولهم كفاءات عالية تخدم المجتمعات التي يعيشون فيها ويؤثرون فيها، وبهذا يكون اندماجا بلا انكفاء و لا ذوبان ، ومحافظة على الهوية بدون انغلاق...
* مدير المركز الثقافي الاجتماعي بهولندا
 
(المصدر: موقع "الحوار.نت" (ألمانيا) بتاريخ 18جوان 2007)
 

ما يجري في فلسطين .. دلالات ومآلات
 
راشد الغنوشي

1- لقد رسخ الإسلام في أمته، وهو المكون الأساسي لثقافتها وقيمها، مشاعر الاستهجان لكل تقاتل داخلي، بلغ حد تهديد المتورطين فيه بغضب الله والطرد من رحمته والخلود في الجحيم. "ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد عذابا عظيما" النساء: 93.
وقال نبي الإسلام عليه السلام "إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار". وقال عليه السلام "لا يزال المرء في عافية من دينه حتى يقع في دم امرئ مسلم". وحتى في مجال قتال الكافرين المعتدين فقد سن الإسلام قواعد أخلاقية تمنع القتل العشوائي، إذ حصر الأمر في مقاتلة المقاتلين المعتدين وليس غيرهم. "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين" البقرة: 190.
"
الإسلام ولّد شعورا عاما في الأمة يرفض ويستهجن كل تنازع عنيف بين المؤمنين وعدم التحمس للانخراط في أحد معسكري المتقاتلين ميلا إلى التعامل مع ذلك التنازع المسلح أنه ليس جهادا وإنما هو فتنة
"
وكل ذلك ولّد شعورا عاما في الأمة يرفض ويستهجن كل تنازع عنيف بين المؤمنين وعدم التحمس للانخراط في أحد معسكري المتقاتلين ميلا إلى التعامل مع ذلك التنازع المسلح على أنه ليس جهادا وإنما هو فتنة.
المؤمن مأمور بتجنب الانخراط فيها، غلبة ظن أن المتورطين فيها لا يبتغون وجه الله وإنما الدنيا. وذلك هو الشعور العام هذه الأيام إزاء ما جرى ويجري في فلسطين المحتلة من تقاتل وضروب ثار وانتقام.. ما ملأ النفوس هما وغما ونال أيما نيل من الصورة المشرقة للقضية المقدسة، قضية تحرير فلسطين.
2- ومع ذلك اتسمت تعاليم الإسلام بواقعية شديدة، إذ لم تستبعد وقوع التنازع بين المسلمين.
وفي هذه الحالة ليس الموقف المناسب للمؤمنين أن يفروا لائذين بمثالية مجنحة متعالية عن الواقع معرضين عن الطرفين يرمونهم على حد سواء بكل ذميمة، من قبيل الجري وراء الدنيا، غير مكلفين أنفسهم عناء البحث والتمحيص والتعمق فيما جرى توصلا إلى تشخيص دقيق وتصور موضوعي يحرر موضوع النزاع والمتسببن فيه وتمييز الظالم من المظلوم من أجل الوقوف في وجه الظالم وبذل المكنة في نصرة المظلوم.
قال تعالى "وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما, فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله". الحجرات: 9. فليس موقف الحياد ولا الهروب ولا مجرد الاستهجان لما يجري ولا الانحياز لجانب الظالم بأثر عصبي موقفا جائزا للمؤمن.
3- كيف يتم التعامل مع التنازع الحاصل في فلسطين بين فتح وحماس؟
أ?- إن معظم الإعلام الرسمي العربي خاصة العلماني إلى جانب الإعلام العالمي منحاز بشكل سافر لمعسكر فتح باعتبار رئيسها يمثل الشرعية"! في تجاهل لآخر شرعية أفرزتها آخر انتخابات منذ 15 شهرا فقط.
وفي هذا الاتجاه تضافرت مواقف النظام العربي والدولي والإسرائيلي على إحباط كل سبيل لرفع الحصار المضروب على شعب فلسطين عقابا له على انتخاب فصيل يتمتع بالكفاءة المهنية والفدائية بسبب انتمائه الإسلامي وإصراره على المقاومة.
وحتى بعد أن تشكلت حكومة وحدة وطنية بمباركة عربية وأوروبية، استمر الحصار لا يتزحزح قيد أنملة، بما أكد إرادة دولية وعربية في تجاهل نتائج الانتخابات وإسقاط حكومة حماس واستبعادها من كل شراكة في السلطة.
ورغم أن العرب رحبوا بحكومة الوحدة الوطنية فإنهم لم يحركوا ساكنا من أجل رفع الحصار إما بسبب فقدانهم نهائيا لبقية من استقلال القرار عن الولايات المتحدة أو بسبب حقيقة رفضهم لحكومة حماس أصلا، فظلوا مشتركين مع الإرادة الدولية أميركيا وأوروبيا وإسرائيليا في استهداف حكومة حماس بانفراد أو باشتراك، بالتقويض، عبر تشديد خناق الحصار، دفعا للأوضاع صوب الانفجار، وهو ما حدث فعلا.
"
رغم أن العرب رحبوا بحكومة الوحدة الوطنية فإنهم لم يحركوا ساكنا من أجل رفع الحصار إما بسبب فقدانهم نهائيا لبقية من استقلال القرار عن الولايات المتحدة أو بسبب حقيقة رفضهم لحكومة حماس أصلا
"
وجاء الترحيب الدولي والإقليمي سريعا بشطب حكومة هنية، والوعد برفع الحصار، بعد التأكد من خلو حكومة الطوارئ من أي حمساوي.
ب?- إن مؤشرات كثيرة تتابعت الأشهر الأخيرة تدل على أن المسرح الفلسطيني كان يهيأ لانقلاب على الشرعية التي أفرزتها الانتخابات السابقة، منها استمرار الحصار وفشل كل محاولات رفعه ومنها فشل كل خطة لإدماج المؤسسات الأمنية في وزارة الداخلية، الأمر الذي باءتت معه كل محاولات وزراء الداخلية الذين توالوا على المنصب في المسك بزمام الأمن ووضع حد للانفلات، بل اتجه الأمر إلى الاستفحال من خلال ما يلقاه هذا التوجه من تشجيع دولي وإقليمي عبر الضخ الأميركي والعربي للأموال والأسلحة والتدريب لصالح الحرس الرئاسي.
وليس حرس الرئيس هنا كأمثاله، يقوم بوظيفة محددة هي تقديم الحماية للرئيس حيثما انتقل وإنما هو جيش تتوزع ثكناته في كل أرجاء السلطة الوطنية، حتى إن مركزه في غزة استخدم في الاعتقال والتحقيق.
إن استمرار الحصار على حكومة الوحدة الوطنية وإفشال كل محاولات دمج الأجهزة الأمنية ضمن مؤسسات السلطة والتكثيف الدولي والعربي لدعم تلك الأجهزة وإمعانها في الانفلات والاستهتار، كان حاملا لرسالة، يبدو أن أهل حماس قد فكوا رموزها، فاستيقنوا مما تحمله من استهداف محقق لهم، فبادروا بالانقضاض على المتربصين بهم قبل أن ينقضوا عليهم.
ويخشى أن يكون فرار قادة تلك الأجهزة صوب الإسرائيليين وصولا إلى الضفة الغربية تاركين وراءهم من الوثائق ما يشهد على التنسيق الأمني الوثيق مع العدو الإسرائيلي وتجميع ملفات حول عناصر المقاومة, ما يفسر ذلك الانهيار السريع والهرب.
ولو كانوا يتصرفون باعتبارهم أمنا وطنيا وليسوا فصيلا حزبيا قد تحول من فصيل جهادي إلى جهاز مرتبط بالعدو يتعيش من جمع المعلومات عن المجاهدين، ما كان هناك مبرر لهذا الفرار المخزي.
ج?- إن المسرح الإقليمي تتضافر فيه الدلالات على أن خطة ضرب إيران ليست مستبعدة، وهو ما يقتضي من جملة ما يقتضيه تصفية البؤر في المنطقة التي يقدر أنها يمكن على نحو أو آخر أن تنخرط في معركة لا يستبعد أن يكون كلب الصيد الصهيوني طرفا فيها، وهو الذي يتلمظ لاستعادة هيبة فقدها جيشه هي رأس ماله الأعظم للقيام بمهمته الوظيفية حارسا للمصالح الإمبريالية ومتمولا من وراء ذلك لا سيما وقد امتطى صهوته أحد أبرز قادة العصابة.
من هنا يفهم التحرش بحزب الله وبسوريا وتكثيف ضخ السلاح والأموال والتدريب للأجهزة الأمنية الفلسطينية للنهوض بالمهمة المطلوبة، وهو ما يفسر وصف خالد مشعل للعملية الأمنية التي بادرت بها حماس أنها عملية اضطرارية وقائية.
وعلى أي حال فالذي حصل هو ضربة أخرى موجعة للسياسات الأميركية في المنطقة تضاف إلى ما يجري في العراق وفي أفغانستان وإلى ما جرى في لبنان من كسر موجع للمخططات الإمبريالية الإسرائيلية.
هل سيكون ذلك مثبطا لخطط صقور البنتاغون أم عامل تحريض لهم آخر في يد المتنفذين الصهاينة؟ زيارة رئيس وزراء الكيان الصهيوني عادة ما يكون التخطيط لأعمال حربية تستهدف أمتنا الجزء الأساسي من برنامجها.
ح?- إلى أين تتجه أوضاع النزاع بين سلطة غزة وسلطة رام الله؟
"
التنازع اليوم إنما هو داخل فتح نفسها وخارجها بين قوى المقاومة الأمينة على تراث هذه الحركة العظيمة وبين قوى أوسلو المتصهينة والماسكة لأجهزة أمنية أساسية، والمتصدية لكل قوى المقاومة خاصة لحماس
"
ح1- خلافا لما يظن، فإن التنازع بين الفلسطينيين منذ بدأ زرع السرطان الصهيوني في جسم المنطقة، ليس غريبا، بما في ذلك التنازع المسلح، تجاوز الأمر مستوى الاغتيالات إلى الحرب الطاحنة على أرض فلسطين وفي الشتات بعد قيام الكيان الصهيوني وخلال سني تخلّقه.
ومعظم النزاع كان حول الاختلاف في إستراتيجية التعامل معه. وفي هذا السياق كان التنازع الدامي بين جماعة الحاج الأمين وأنصاره من الثائرين وبين خصومه المرتبطين بالإنجليز (جماعة النشاشيبي).
ولا يبعد كثيرا عن نفس السياق التنازع الجاري اليوم ليس كما يصور البعض أنه بين حماس وفتح، ولا بين فصيلي القسام والأقصى. كلا فالمجاهدون الخلص، كثيرا ما جمعتهم الخنادق فوحدت وجهة قلوبهم وأسلحتهم فصرفتهم عن التنازع. النزاع واضح، وتبلور بالخصوص بعد أوسلو، هو بين "سلطة وطنية" مضمونها الأساسي مشروع أمني يستمد مبرر قيامه واستمراره من حمايته للكيان الصهيوني من كل مقاومة ضده، تطل برأسها.
في هذا السياق تم تشكيل وتدريب وتثقيف وتمويل هذه "السلطة الوطنية". ولأن عرفات رحمه الله تكشّف له في النهاية بكل جلاء هول ما هو مقدم عليه من مهانة وإذلال قد تصل إلى الخيانة، فقد توقف عن المضيّ، ولكن بعد فوات الأوان.
صحيح أنه دفع حياته ثمنا فمات شهيدا إن شاء الله، إلا أن ثقافة المساومة بدل المقاومة قد فشت في النخبة من حوله وارتباطات مصيرية بالكيان الصهيوني قد عقدت ومصالح كبرى قد تأسست على أرضية أوسلو، كلها قد تواصلت من بعده في قطاع واسع من النخبة التي ادخرتها مؤسسة الاغتيال الإسرائيلي لمثل هذه الأيام لتواصل إستراتيجية أوسلو والتمول من تقويض كل مشروع للمقاومة سواء انطلق من خارج فتح أم من داخلها "كتائب الأقصى" وغيرها.
التنازع اليوم إنما هو داخل فتح نفسها وخارجها بين قوى المقاومة الأمينة على تراث هذه الحركة العظيمة وبين قوى أوسلو المتصهينة والماسكة لأجهزة أمنية أساسية، والمتصدية لكل قوى المقاومة خاصة لمنظمة حماس باعتبارها اليوم العنوان الأهم والراية الأرفع للمشروع الوطني الفلسطيني.
وإذا كانت قضية تحرير فلسطين القضية المركزية للأمة فإن رافع رايتها هو المتزعم بحق لحركة الشارع والمعبر عن أعمق ما في الضمير الشعبي من قيم وتطلعات، كذلك كان الحاج أمين وكان عبد الناصر وكان عرفات فأحمد ياسين.
وهو ما يحمّل أهل حماس أمانة كبرى في الإحسان لهذه الراية وتشريفها بتعزيز ما قدمت من نماذج فدائية رائعة رجالا ونساء شيبا وشبانا بنماذج حضارية في التعامل مع المخالف في الرضا والغضب خاصة الحذر من تحول أولوية مواجهة الاحتلال إلى أولوية مواجهة فتح المنافس السياسي.
ومن هذا القبيل صدور مسالك غضبية انتقامية بغيضة وخطيرة، مهما كانت قليلة، من مثل العقاب خارج القانون قد يصل إلى الإعدام. قتال الفتنة في الإسلام له ضوابطه. وإنما النصر الذي يستحق الاحتفاء هو النصر على العدو تحريرا للأرض المقدسة وليس النصر على أبناء الوطن.
"
حماس التي اضطرت للمنافسة على سلطة أوسلوية مفرغة من كل معنى غير المعنى الأمني، أي حماية الكيان الصهيوني، إنما فعلت ذلك لحماية المقاومة من كيد هذه الأجهزة المتنمرة ضد المقاومة
"
ح2- وإذا كان الأمر كذلك فإن حماس التي إنما اضطرت للمنافسة على سلطة أوسلوية مفرغة من كل معنى غير المعنى الأمني أي حماية الكيان الصهيوني، إنما فعلت ذلك لحماية المقاومة من كيد هذه الأجهزة المتنمرة ضد المقاومة.
حماس هذه لا يمكن والحال هذه أن تجعل من "إمارة غزة" رأس مالها الأعظم، وإنما سندا قويا للمقاومة، كما كان حال لبنان قبل أن يزج به في قوس الزلازل، سندا قويا تفاوض انطلاقا منه كل القوى الوطنية الفلسطينية للوصول إلى معادلة معقولة تحقق وحدة الوطن وتقدم ضمانات مؤسساتية لاستمرار المقاومة لتحريره من الاحتلال وتوفير الحد الأدنى من مصالح الناس، وحبذا لو أمكن تحقيق ذلك مع إنهاء السلطة جملة عودا إلى حقيقة الواقع: مقاومة وجها لوجه مع الاحتلال بلا وسيط من "سلطة" إذا أمكن، أو مع سلطة في خدمة المقاومة.
ضمان ذلك عبر الحوار مع كل القوى الوطنية خاصة فتح لا يمكن إلا أن يكون المقصد الأسنى مما حصل في غزة ، وما وراءه فليس شيئا يستأهل من حركة مقاومة من وزن حماس أن يلتفت إليه، وأهلها هم مشاريع شهادة وشهداء أحياء.
في مؤتمر فلسطين الذي انعقد في الدوحة ذكر د. رمضان شلح "أنا لا أقول خالد مشعل قد تعرض للاغتيال بل هو قد اغتيل، وعاد إلينا من العالم الآخر" مثل هؤلاء لا يتصارعون على شيء من حطام الدنيا. "من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا". الأحزاب: 23
 
(المصدر: موقع الجزيرةنت ركن المعرفة  بتاريخ 19 جوان 2007)

انتحار المشروع الوطني الفلسطيني
 
   
توفيق المديني

الدم الذي يسيل غزيرا في قطاع غزة ، و الذي امتد للضفة الغربية، يحول القضية الفلسطينية، التي كانت في الأمس القريب ، قضية مركزية في المشروع النهضوي العربي، إلى جيب صغير  يتقاتل عليه الإخوة الأعداء، فيجعلان القضية الفلسطينية  شيئاً من الماضي، بينما كان العرب يرون فيها مستقبلهم .
الدم الذي يغطي أرض فلسطين القابعة تحت الاحتلال الإستيطاني الصهيوني ، الذي ما انفك يعمل ليلا نهارا على تهويدها، يطوي صفحة من تاريخ الشعب الفلسطيني، الذي بات يرى بأم عينيه ، كيف أن الوطنييين و الجهاديين الذين ناضلوا من أجل الدفاع عن المشروع الوطني الفلسطيني و تحرير الأرض السليبة ، َيتِيهُون في الطريق بعد أن أعمت السلطة بصيرتهم ، والحال هذه هم يقتلون قضيتهم وينتحرون.
الوطنيون من حركة "فتح "، و الإسلاميون من حركة "حماس"، سقطوا في أتون حرب أهلية مدمرة، إذ شهد قطاع غزة خلال الأسبوع الماضي أعنف موجة من الاقتتال الداخلي منذ توقيع اتفاق مكة وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية قبل ثلاثة أشهر، مخلفا مئات القتلى والجرحى.وما يجري من  اقتتال بين "فتح" و"حماس" هو صراع على المواقع والنفوذ الذي كرسه اتفاق مكة الذي أسس للمحاصصة والثنائية وبالتالي لموجات الاقتتال التي نشهدها الآن.
لاشك أن هذا الاقتتال هو النتيجة غير المعقولة أو التناقضية للإنتفاضة الثانية  التي لعبت  فيها الحركة الإسلامية في فلسطين دورا رياديا، ولإخفاق الحركة الوطنية المنظمة والمتمحورة حول حركة فتح التي كان يقودها الرئيس الراحل ياسر عرفات، و التي عجزت تاريخيا في  التوصل إلى تحقيق هدفها عبر التفاوض مع "إسرائيل " في خلق د ولة فلسطينية في قطاع غزة و الضفة الغربية  .
وكانت الدوافع العميقة المفجرة للإنتفاضة الثانية 28 سبتمبر 2000 تكمن في السياسة الصهيونية التي تستخدم القوة القهرية و القمعية (الحصارات، واغتيال المسؤولين و الإذلال على نقاط العبور، التي تفضح عذاب شعب بأكمله في مقاومته الإحتلال وقد تخلى عنه المجتمع الدولي) و التي تلتهم الأرض الفلسطينية (عبر التوسع في الاستيطان )، إضافة إلى رفض السيد عرفات العرض الأميركي – الصهيوني الذي قدم له في مفاوضات كامب ديفيد ، والذي هو بكل تأكيد يتناقض مع مقياس القانون الدولي الذي يفرض على "إسرائيل" أن تنسحب من جميع الأراضي التي احتلتها في العام 1967، و أن تفكك جميع المستوطنات و من ضمنها تلك القائمة في القدس الشرقية، زد إلى ذلك  فساد و عجز و عدم فعالية مؤسسات السلطة الفلسطينية.
وكان الحقد و الغضينة تجاه ما يسمى السلطة الفلسطينية بصورة غير صحيحة- السلطة ليست سوى وهم سلطة ، وعمليا فإنها برمتها إعادة تنظيم للاحتلال الصهيوني . بمعنى احتلال تحت ستار السيطرة الفلسطينية- وهو الذي مكن منطقيا حركة حماس من تحقيق فوز كاسح على حركة فتح في انتخابات يناير 2006، التي ظلت عاجزة عن تجديد نفسها  بعد رحيل مؤسسهاعرفات في عام 2004، على الرغم من المساندة القوية التي كانت تحظى بها من قبل قسم كبير من المجتمع الدولي.
و في ظل الرفض التي كانت تصطدم به من أجل الهيمنة الكاملة على السلطة، إذ رفضت حركة "فتح "برئاسة الرئيس محمود عباس المسيطرة على الأجهزة الأمنية ، التعاون الكامل مع حماس في أجهزة السلطة، رغم أن حماس فازت قبل أكثر من سنة بأغلبية حاسمة في الانتخابات البرلمانية، واضطرت فتح إلى عدم قبول حسم الناخب الفلسطيني لأن كل العالم طلب منها ذلك، الولايات المتحدة، أوروبا، معظم الحكام العرب وبالطبع "اسرائيل "– حثوا فتح على عدم التعاون مع حماس في السلطة. في ظل هذا الرفض ، انطلقت حماس في ممارسة التحدي العسكري عبر تشكيل القوة التنفيذية التابعة لها، انطلاقا من قناعة لدى حماس أن العالم بأسره اتحد لإسقاطها. زعم  حماس مبرر. "إسرائيل"، أميريكا، الاتحاد الاوروبي وكذا الدول العربية – جميعهم حاولوا خنق الوليد في مهده. وبيد أجهزة فتح عشرات المقار والقيادات، ترغب حماس في أخذها لها. من ناحية ميزان السلاح، يوجد لقوات حماس تفوق في غزة.
و هاهي حماس تحكم سيطرتها على جزء كبير من قطاع غزة بعد أن استولت على مقر جهاز الأمن الوقائي التابع للرئيس محمود عباس ورفعت أعلامها الخضراء عليه واصفة هذا بأنه "تحرير ثان"، وبعد ـن سيطرت  أيضا على مقر المخابرات العامة الرئيسي في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وعلى مجمع الأجهزة الأمنية في رفح.وباتت مقار ومؤسسات رئيسة للسلطة الفلسطينية مهددة بالسقوط في أيدي قوات "حماس"، الأمر الذي دعا  الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى إقالة رئيس حكومة الوحدة الوطنية إسماعيل هنية وإعلان حال الطوارىء وتشكيل حكومة تنفذ أحكام الطوارىء. فالمعركة في غزة ليست حربا أهلية، بل مواجهة بين منظمتين عسكريتين تتصارعان على السيطرة على بؤر القوة على ظهر الشعب الفلسطيني .
الولايات المتحدة الأميركية و "إسرائيل" تريدان و تشجعان هذا الإقتتال ، بهدف إضعاف قوة الإسلاميين ، وتصفية المقاومة. بيد أن نجاح حماس في السيطرة على واقع غزة ، خلق واقعا جديدا. واقع سلطتين فلسطينيتين: حماستان في غزة وفتح لاند في الضفة الغربية. وهكذا تحولت غزة ما بعد الانسحاب الصهيوني ، والتي كان يمكن لها أن تصبح نموذجا رائعا للاستقلال الفلسطيني، إلى حالة من الفوضى و الدمارو الاقتتال . فالسلطة وضعت تحت الحصار. لا مال. اجهزة التعليم، الصحة والخدمات تنهار.
الفلسطينيون المحاصرون في غزة، أو الذين عاد الاحتلال إليهم في الضفة الغربية ، دخلوا في طورجديد يطوي  نهائيا المرحلة التي دشنتها اتفاقيات أوسلو الموقعة في 13سبتمبر 1993. فقد وقعت حركة فتح على اتفاق اوسلو وأقامت بموجبه السلطة الفلسطينية، ومنذ ست سنوات وأكثر لا يوجد أوسلو. ويبدو أنه حان الوقت ألا توجد سلطة. من ناحية فلسطينية فإن تصفية السلطة هو السلاح شبه الوحيد للفلسطينيين ضد "اسرائيل". الفراغ السلطوي في غزة، وبعد ذلك في الضفة، لا يمكنه أن يبقى كذلك لزمن طويل، وسيتعين على "إسرائيل "أن تفرض هناك القانون والنظام – تعيد احتلال المناطق وتأخذ المسؤولية التي لا أحد في "إسرائيل" يريدها.
الاقتتال الفلسطيني يدمر المجتمع الفسطيني.ففي مواجهة الاحتلال الصهيوني ، أظهر هذا المجتمع وحدته ، و قدرته على المقاومة في الانتفاضة الأولى ، التي حررت "إسرائيل " من الأوهام التي ظلت تعيش عليها منذ انتصارها في الحرب الخاطفة عام 1967.و شكل هدف بناء دولة فلسطينية في قطاع غزة  و الضفة الغربية قاسما فيدراليا مشتركا لمختلف مكونات المجتمع الفلسطيني  المنظم في عدة محاور عائلية و عشائرية ، إذ تمكن الزعيم عرفات ، بسياسته ، ومعرفته الدقيقة لواقع شعبه، أن يحافظ على وحدته الوطنية.
الآن الأوهام سقطت.و الدولة الفلسطينية المستقلة أصبحت بعيدة المنال من الناحية العملية على الأق ل.و جاء مسار الاقتتال الفلسطيني الأخير ليعزز البلبلة و التشاؤم في صفوف الشعب الفلسطيني ، ويزيد من انهيار المشروع الوطني الفلسطيني ، و تفسخ القضية الفلسطينية على طريق التصفية.
بعد أربعين عاما من الهزيمة  العربية في عام 1967، التي مكنت الشعب الفلسطيني من أخذ زمام الأمور بنفسه عبر تجسيده خط المقاومة ، هاهو  مصير مشروعه الوطني يفلت من من بين يديه لأول مرة.
 
(المصدر: صحيفة "الخليج" الصادرة يوم 19 جوان 2007)

 
محاولة لفهم ما جرى في غزة
 

فهمي هويدي (*)

هل الذى حدث فى غزة انقلاب أم أنه إجهاض لانقلاب؟ هذا السؤال ألح عليَّ بشدة حين تجمعت لدى مجموعة من الشهادات والوثائق المهمة ذات الصلة بالموضوع. وها أنا أضع خلاصاتها وبعض نصوصها بين يديك، كى تشاركنى التفكير فى الإجابة عن السؤال.

(1)
يوم الخميس الماضى 14/6 نشرت صحيفة "يونجافليت" الألمانية تقريراً لمعلقها السياسى فولف راينهارت قال فيه إن إدارة الرئيس الأمريكى جورج بوش خططت منذ فترة طويلة لتفجير الأوضاع الداخلية الفلسطينية، وتحريض تيار موال لها داخل فتح على القيام بتصفيات جسدية للقادة العسكريين فى حركة حماس. وقد تحدث فى هذا الموضوع صراحة الجنرال "كيث دايتون" مسؤول الاتصال العسكرى الأمريكى المقيم فى تل أبيب، فى جلسة استماع عقدتها فى أواخر مايو الماضى لجنة الشرق الأوسط بالكونجرس الأمريكى. وفى شهادته ذكر الجنرال دايتون بأن للولايات المتحدة تأثيراً قوياً على كافة تيارات حركة فتح وأن الأوضاع ستنفجر قريباً فى قطاع غزة، وستكون عنيفة وبلا رحمة. وقال إن وزارة الدفاع الأمريكية والمخابرات المركزية ألقتا بكل ما تملكان من ثقل، فى جانب حلفاء الولايات المتحدة وإسرئيل داخل حركة فتح. كما أن تعبئة الأجهزة الأمنية والعسكرية التابعة لرئيس السلطة الفلسطينية ضد حماس، تمثل خياراً استراتيجياً للإدارة الأمريكية الحالية. وهو ما يفسر أن الكونجرس لم يتردد فى اعتماد مبلغ 59 مليون يورو لتدريب الحرس الرئاسى فى بعض دول الجوار، وإعداده لخوض مواجهة عسكرية ضد حركة حماس.

أضاف المعلق السياسى للصحيفة الألمانية أن التيار الأمريكى الإسرائيلى داخل فتح لم ينجح رغم كل الدعم السخى الذى قدم إليه فى كسر شوكة حماس. وهو ما دفع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية إلى استدعاء خبرتها السابقة فى جمهورية السلفادور، وتوجيهها للعناصر الفتحاوية المرتبطة بها لتشكيل فرق الموت لاغتيال قادة وكوادر حماس، وتحدث راينهارت فى هذه النقطة عن خيوط كثيرة تربط بين فرق الموت والحرس الرئاسى الفلسطينى والمستشار الأمنى النائب محمد دحلان، ونسب إلى خبيرة التخطيط السياسى بالجامعات الإسرائيلية "د. هيجا ياو مجارتن" قولها إن دحلان مكلف من وكالة المخابرات المركزية وأجهزة أمريكية أخرى، بتنفيذ مهمة محددة، هى تصفية أى مجموعات مقاومة لإسرائيل داخل وخارج حركة حماس.

(2)
فى 10 يناير الماضى، وجه رئيس الوزراء الفلسطينى إسماعيل هنية رسالة إلى رئيس السلطة أبو مازن، نصها كما يلى:
نهديكم أطيب التحيات، ونسأل الله لكم التوفيق والسداد. لقد توافرت لنا بعض المعلومات فى الآونة الأخيرة، تشير إلى خطة أمنية تهدف إلى الانقلاب على الحكومة والخيار الديمقراطى للشعب الفلسطينى. ويمكن إيجاز هذه المعلومات فى النقاط التالية:

- إدخال كميات ضخمة جداً من السلاح لصالح حرس الرئاسة، من بعض الجهات الخارجية، بمعرفة ومباركة من أمريكا وإسرائيل.

- تشكيل قوات خاصة من الأمن الوطنى تقدر بالآلاف لمواجهة الحكومة الفلسطينية والقوة التنفيذية واعتماد "مقر أنصار فى غزة" مقراً مركزياً لها.

- تجهيز هذه القوات بالسيارات والدروع والسلاح والذخيرة وصرف الرواتب كاملة للموالين.

- تعقد اجتماعات أمنية حساسة لعدد من ضباط الأمن الفلسطينى فى مقر السفارة الأمريكية حيث تناقش فيها خطط العمل.

- البدء بإجراءات إقالة لعدد من الضباط واستبدالهم بشخصيات أخرى، مع العلم أن لجنة الضباط هى المختصة بهذه الشؤون، كذلك تعيين النائب محمد دحلان من طرفكم شفوياً كقائد عام للأجهزة الأمنية، وفى ذلك مخالفة قانونية.

- تهديد الوزراء ورؤساء البلديات بالقتل، حيث تم الاعتداء على الوزير وصفى قبها وزير الأسرى، وإعلامه عبر مرافقه أن الاعتداء القادم سيقتله. وكذلك تم تكليف أحد ملياردى فتح من غزة بتصفية الوزير عبد الرحمن زيدان -وزير الأشغال والإسكان مقابل 30 ألف دولار.

الأخ الرئيس: بناء على ما سبق وغيره الكثير من المعلومات التى نمتلكها، فإننا نعبر عن بالغ أسفنا إزاء ما ورد، حيث إن ذلك يهدد النظام السياسى الفلسطينى، والنسيج الوطنى والإجتماعى ويعرض القضية برمتها للخطر. نرجو منكم اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة لحماية شعبنا وقضيتنا، ونحن سنظل أوفياء وحريصين على وحدة الشعب ولحمته - وأقبلوا وافر التحية-.

فى الوقت الذى أرسل فيه السيد إسماعيل هنية هذا الخطاب إلى أبو مازن، كانت أمامه معلومات محددة حول بعض تفصيلات الإعداد للخطة الأمنية، التى منها على سبيل المثال: تعيين محمد دحلان قائداً عاماً للأجهزة الأمنية - اختيار 15 ألف عنصر من الموالين، لتشكيل قوة خاصة فى الأمن الوطنى لمواجهة حماس - دخول150 سيارة جيب مزودة بأجهزة الاتصال اللاسلكى - توفير 2000 مدفع كلاشنكوف اضافه إلى ثلاثة ملايين رصاصة - وتوفير الملابس الخاصة والدروع للقوة الجديدة - إعادة بناء كافة الأجهزة الأمنية وإقالة 15 من قادتها واستبدالهم بآخرين موالين - إقالة 185 من ضباط الأمن الوطنى لتنقية صفوف الجهاز من غير الموثوق فى موالاتهم.

إلى جانب هذه المعلومات، كانت هناك مذكرة بخط الفريق عبد الرازق المجايدة (منسق الأجهزة الأمنية) كتبت على ورقة تحمل ختم ديوان الرئاسة، تحدثت عن مطالب موجهة إلى الأجهزة الأمنية وخاصة الأمن الوطنى، تضمنت سبعة بنود، من بينها وضع خطة العمليات وفرز الـ15 ألف عنصر المرشحين للقوة الجديدة، وحصر كميات الأسلحة والذخائر المتوافرة.

فى هذا الجو المسكون بالشكوك والهواجس، أصدرت وزارة الداخلية تصريحاً صحفياً فى 6/2 الماضى، أعربت فيه عن استنكارها وإدانتها للطريقة التى يتم من خلالها إدخال السيارات والمعدات اللوجستية من المعابر الحدودية بصورة سرية وبتعتيم مريب، على نحو يتم فيه تجاوز الحكومة ووزارتها المختصة. وذكر البيان أن وزارة الداخلية تحمل الجهات التى تقف وراء هذه العملية كامل المسؤولية عن أية تداعيات تنجم عن هذا الأسلوب المرفوض وطنيا وقانونياً.

(3)
يوم 6/6 نشرت صحيفة "هاآرتس" أن جهات فى حركة فتح توجهت أخيراً إلى المؤسسة الأمنية فى إسرائيل طالبة السماح للحركة بإدخال كميات كبيرة من العتاد العسكرى والذخيرة من إحدى دول الجوار إلى غزة، لمساعدة الحركة فى معركتها ضد حركة حماس. وأضافت الصحيفة أن قائمة الأسلحة والوسائل القتالية تشمل عشرات الآليات المصفحة والمئات من القذائف المضادة للدبابات من نوع "آر.بى.جى"، وآلاف القنابل اليدوية وملايين الرصاصات. كما ذكرت أن مسؤولى فتح تقدموا بطلباتهم فى لقاءات مباشرة مع مسؤولين إسرائيليين، كما أن المنسق الأمنى الأمريكى الخاص فى المناطق الفلسطينية المحتلة الجنرال كيث دايتون نقل طلباً مماثلاً إلى إسرائيل.

وأضافت الصحيفة أن إسرائيل سمحت لفتح فى السابق بتلقى كميات من الأسلحة شملت 2500 بندقية وملايين الرصاصات.. وقد تقرر إدخال الآليات المصفحة التى لا تعتبر سلاحاً يشكل خطراً على الدولة العبرية. لكنها استبعدت الموافقة على طلب تلقى قذائف صاروخية، لخشيتها فى أن تقع بيد حماس.

نقلت الصحيفة عن الرئيس أبو مازن قوله فى أحاديث مغلقة إن أمله خاب من رفض إسرائيل السماح بإدخال الأسلحة المطلوبة لفتح، وأضافت أن ثمة خلافاً فى الرأى داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بخصوص الموضوع، خصوصاً أن غالبية خبراء جهاز الأمن العام (شاباك) ومكتب تنسيق شؤون الاحتلال يعتقدون أن فتح ضعيفة للغاية فى القطاع، وقد تنهار فى المواجهة مع حماس، رغم الجهد الذى يبذله النائب محمد دحلان لتشكيل وتعزيز قوة مسلحة جديدة لفتح، تسمى القوة التنفيذية، رداً على تنفيذية حماس.

فى 13/6 ذكرت صحيفة معاريف، نقلاً عن مصادر فى الأجهزة الأمنية، أن سقوط مواقع الأمن التابعة للسلطة فى أيدى حماس، يدلل على خطأ الرأى القائل بوجوب تقديم الدعم العسكرى لحركة فتح، لأن ذلك السلاح سيعد غنيمة تقع بأيدى حماس، وهو الرأى الذى تبناه "أفرايم سنيه" نائب وزير الدفاع، الذى طالما ضغط على وزير الدفاع للسماح لفتح بتلقى رشاشات ثقيلة لتعزيز موقفها فى مواجهة حماس. وأضافت معاريف أن جميع قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية يرغبون فى انتصار فتح، إلا أنهم يرون أنه من الخطأ عدم التحوط لنتائج انتصار حماس.

(4)
يوم الجمعة 15/6، وهو اليوم التالى مباشرة لاستيلاء حماس على مواقع الأجهزة الأمنية فى غزة، ذكرت النسخة العبرية لموقع هاآرتس على موقعها على شبكة الإنترنت أن كلا من الإدارة الأمريكية والرئيس الفلسطينى محمود عباس اتفقا على خطة عمل محددة لإسقاط حكم حماس، عن طريق إيجاد الظروف التى تدفع الجمهور الفلسطينى فى قطاع غزة لثورة ضد الحركة. وأشارت الصحيفة إلى أن خطة العمل، التى تم التوصل إليها بين "الجانبين" تضمنت الخطوات الآتية:

1- حل حكومة الوحدة، وإعلان حالة الطوارئ، لنزع الشرعية عن كل مؤسسات الحكم التي تسيطر عليها حماس حالياً في قطاع غزة.

2- فصل غزة عن الضفة الغربية والتعامل مع القطاع كمشكلة منفردة، بحيث تقوم الإدارة الأمريكية وعباس بالتشاور مع إسرائيل والقوى الإقليمية والاتحاد الأوروبي لعلاج هذه المشكلة، ولا تستبعد الخطة أن يتم إرسال قوات دولية إلى القطاع.

3- تقوم إسرائيل بالإفراج عن عوائد الضرائب، وتحويلها إلى عباس الذي يتولى استثمارها في زيادة "رفاهية" الفلسطينيين في الضفة، إلى جانب محاولة الولايات المتحدة إقناع إسرائيل بتحسين ظروف الأهالي في الضفة لكي يشعر الفلسطينيون في قطاع غزة بأن أوضاعهم لم تزدد إلا سوءًا في ظل سيطرة حركة حماس على القطاع، الأمر الذي يزيد من فرصة تململ الجمهور الفلسطيني في القطاع ضد حماس، وبالتالي التمرد عليها.

4- اتفق عباس والإدارة الأمريكية على وجوب شن حملات اعتقال ضد نشطاء حماس في الضفة الغربية، من أجل ضمان عدم نقل ما جرى في القطاع إلى الضفة.

5- إحياء المسار التفاوضي بين إسرائيل والحكومة التي سيعينها عباس في أعقاب قراره حل حكومة الوحدة الوطنية.

أشارت الصحيفة إلى أن أبو مازن حرص على إطلاع مصر والأردن على القرارات التى توصل إليها قبل إعلانها، مشيرة إلى أن أبو مازن طالب الدولتين بتأييد قراراته وقطع أى اتصال مع حكومة حماس فى القطاع.

فى الوقت ذاته، خرج كبار المسؤولين فى إسرائيل عن طورهم وهم يشيدون بقرار أبو مازن حل الحكومة وإعلانه الطوارئ، فقال وزير الحرب الإسرائيلى عمير بيرتس وزير الحرب - قبل تعيين باراك مكانه - إن ذلك القرار ساهم فى تقليص الآثار السلبية جداً لسيطرة حماس على القطاع، واعتبر أن الخطوة تمثل مصلحة استراتيجية عليا لإسرائيل.

من ناحية أخرى ذكرت صحيفة "معاريف" فى عدد الجمعة 15/6، أنه فى ظل قرار أبو مازن حل حكومة الوحدة الوطنية، فإن إسرائيل تدرس بإيجابية إمكانية الإفراج عن مستحقات الضرائب التى تحتجزها، لكى تحولها إلى الحكومة الجديدة. وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل قد تعلن عن قطاع غزة ككيان عدو، ومن غير المستبعد أن يتم قطع الكهرباء والماء عن القطاع، خصوصاً إذا استمر إطلاق الصواريخ منه.

على صعيد آخر قالت إسرائيل إنها تراهن بقوة على تعاون الدول العربية ، ورئاسة السلطة الفلسطينية معها في عدم السماح لحركة حماس بترجمة إنجازاتها العسكرية إلى مكاسب سياسية، معتبرة أن التطورات الأخيرة تحمل في طياتها تحولات إقليمية بالغة الخطورة على إسرائيل. وقال الجنرال عاموس جلعاد مدير الدائرة السياسية الأمنية فى وزارة الدفاع الإسرائيلى والمسؤول عن بلورة السياسة الإسرائيلية تجاه الضفة الغربية وقطاع غزة إن إسرائيل تحتاج أكثر من أي وقت مضى لمساعدة الدول العربية، وتحديدًا مصر فى مواصلة خنق حركة حماس، سيما بعد إنجازها السيطرة على كامل قطاع غزة، معتبراً أنه فى حال لم يتم نزع الشرعية عن وجود حركة حماس فى الحكم، فإن هذا ستكون له تداعيات سلبية جداً على إسرائيل. وفى مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية باللغة العبرية ظهر الجمعة 15/6، عدد جلعاد مطالب إسرائيل من الدول العربية بشأن إحكام الخناق على حركة حماس، معتبراً أن الدول العربية "المعتدلة" مطالبة بنزع أى شرعية عربية أو دولية عن حكومة الوحدة الوطنية وعدم إجراء أى اتصالات معها، وأن الحصار العربى لحكومة الوحدة الوطنية هو مطلب أساسى وحيوي لنجاح الحصار على الحكومة الفلسطينية. وحذر جلعاد من أنه فى حال لم تقدم الدول العربية على هذه الخطوة، فإن الكثير من دول العالم ستعترف بوجود حماس فى الحكم وستستأنف ضخ المساعدات للفلسطينيين.

أضاف الرجل أن أبو مازن أصبح مهماً للغاية لإسرائيل الآن، إذ هو وحده الذى يستطيع تقليص الآثار السلبية لسيطرة حماس على غزة. غير أن بنيامين إليعازر وزير البنى التحتية قال فى تصريحات للإذاعة إن على إسرائيل أن تتحوط للوضع الدراماتيكى الجديد بكل حذر. وشدد على وجوب بذل كل جهد ممكن لإقناع الدول العربية بالوقوف إلى جانبها فى حربها ضد حماس. فى ذات الوقت أشار عوديد جرانوت معلق الشؤون العربية فى القناة الأولى للتليفزيون الإسرائيلى ظهر الجمعة إلى أن قرار أبو مازن بحل حكومة الوحدة الوطنية يمثل مصلحة لإسرائيل من حيث إنه يعنى إسدال الستار على اتفاق مكة.. هل فهمت ما فهمته أنا؟

(*) كاتب ومفكر من مصر

(المصدر: صحيفة "الشرق" (يومية - قطر) الصادرة يوم 19 جوان 2007)
 
الانتهاك
 

الياس خوري

لا املك كلمات تصف مشهد انتهاك بيت ياسر عرفات في غزة، او الدوس علي صورته، ونهب بيت خليل الوزير، ولا يستطيع احد اقناعي بأن تحطيم الرموز الفلسطينية، والسخرية منها، تعبر عن شيء له اسم آخر سوي العار.
السياسة وتحليل الانقلاب العسكري الذي قامت به حماس في غزة يأتي لاحقا، ولا ادري اذا كان يفيد في شيء، وانا اري علي الشاشة الصغيرة مشاهد الكبائر. فلسطينيون يلبسون اقنعة سوداء ويصرخون بالتكبير مجبرين اسراهم من الفلسطينيين علي التعري ورفع الأيدي! اعدام سميح المدهون علي شاشة فضائية الأقصي التابعة لحماس، وانزال العلم الفلسطيني عن المباني العامة في غزة بعد احتلالها واستبداله بعلم أخضر!
حلّ القناع مكان الكوفية التي لبسها الفلسطينيون في المدن ايام ثورة 1936 تضامنا مع المناضل الشهيد عزالدين القسام، واليوم يأتي من تسمي باسم القسام كي يدوس علي الكوفية ويستبدلها بالقناع!
لن يقنعني الجـــواب بأن الكثـــــير من رجال السلطة ورجال الأمن فاسدون. فالفساد لا يعـــــالج بالافساد الاخلاقي الذي يدمر رمــــوز فلسطـــــين التي مـــــات في سبيل الـــــدفاع عنها عشرات الوف الشهداء. ولن تقــــنعني لغة التـــــذاكي التي تدعو الي الوحــــدة الوطنية فــــوق برك الدماء والاذلال والمهانة.
انها لحظة للحزن والأسي.
لم نكن نمتلك وهم ان السلطة الفلسطينية تستطيع، بتركيبتها الحالية، انجاز بناء الدولة المحررة، ولن يقنعنا الوهم الذي اعلنه السيد خالد مشعل من دمشق بأن التاريخ يبدأ مع نجاح الانقلاب العسكري الحمساوي في غزة. لقد سبق للتاريخ ان سخر من الانقلابيين العرب في الخامس من حزيران عام 1967، وفي الذكري الأربعين للهزيمة، يأتي من يبيعنا وهم الانقلاب في غزة، معتقدا انه خارج قوانين التاريخ، لإن حفرة الظلام التي يعيش فيها، تحصنه من الرؤية.
لن اسأل لماذا تصر حماس علي تكرار تجربة فتح مقلوبة علي رأسها، فالاخوان المسلمون الذين يقودون حماس ادري بما يريدون ويخطــطون.
يصيغون تحالفاتهم السياسية علي انقاض الذاكرة الفلسطينية، كي يقولوا انهم يبدأون من الصفر، غير مدركين ان الصفر ليس بداية الا لمن قرر ان يبقي في الصفر. ويبنون تحالفا يمتد من دمشق الي طهران، غير مبالين بمسألة الوطنية الفلسطينية المهددة اليوم بالاندثار.
هذا لا يعني ان السلطة كـــــانت علي حـــــق، او ان الأجهزة الأمنية المدمرة والمنخــــــورة بالفساد كانت تشـــــكل اي امل، بل يعني ان اليأس لا يداويه اليأس، وان الجريمة لا تمحو الفساد.
لقد سقطت المحرمات التي رسمتها الثورة، والمحرم الكبير كان الدم الفلسطيني، ولمن فقدوا ذاكــــرتهم ويريدون افقادنا ذاكرتنا، فان محاولة التلاعب بهذا الدم تمت علي يد ديكتاتوريتين عربيتين، البعث العراقي الذي حمي جماعة ابو نضال، والبعث السوري الذي نشأت في كنفه فتح الانتفاضة، وفي الحالين، رفض الفلسطينيون منطق الحسم العسكري، لأن قيادتهم التي كانت تعتمر الكوفية، امتلكت حدا ادني من الحس التاريخي.
وامس نسفوا نصب الجندي المجهول في غزة، وهو نصب بني بعد النكبة تحية للمقاتلين الفلسطينيين والعرب، وسبق لاسرائيل ان نسفته بعد احتلال غزة عام 67، واعاد عرفات بناءه، وقاموا بانتهاك دير ومدرسة وكنيسة الوردية في غزة، كما دمروا كل الاذاعات، وكان آخرها اذاعة الشعب التابعة للجبهة الشعبية، واحتلوا مقر نقابة الصحافيين ونهبوه، والي آخره...
لا ادري كيف يمكن للكلمات ان تأتلف، فقد يأتي معتوه برتبة مثقف يساري وعلماني، يتألق تحت اضواء الفضائيات، كي يعطينا دروسا في الوطنية، مبررا ما جري وسيجري بمقاومة المخطط الامريكي الاسرائيلي، كأن المشروع الاسرائيلي بتوحيش العرب والفلسطينيين كان يريد اكثر من هذا المشهد المخزي، كي يبرر لنفسه كل شيء.
لقد استبيح المعني وتحطم المبني، وصارت اللغة العربية عاجزة عن التعبير، حتي الوقوف علي الأطلال، مثلما علمنا الملك الضليل صار مستحيلا، لا لأنهم بعثروا الاطلال ومحوا الوشم فقط، بل لأن الشاعر الأول وكل الشعر والنثر ينتمي الي ثقافة يريدون اخراجها من التاريخ.
شيء من الطلبنة بلا جبال افغانستان، وكثير من الخفة التي تعكس واقع كون الحركة الوطنية الفلسطينية دخلت في الحائط بعد فشل انتفاضة الأقصي.
ولكن تلك مسألة أخري.
انه اسبوع الألم والأسي.
لم اكن اتخيل، حتي في الكوابيس، كابوسا كهذا الذي نعيش.
لم اكن اعتقد ان غزة هاشم، مدينة جيفارا الشهيد، مدينة المقبرة التي تمايلت حجارتها في زمن مضي رفضا للاحتلال، المدينة التي تمني رابين القاءها في البحر، لم اكن اتخيل ان يأتي يوم اري فيه القطاع ينتحر وينحر بأيدي ابنائه.
انه زمن الأسي.
علي قادة فتح والأجهزة الذين اوصلوا غزة الي هذا العار ان يخرسوا.
اما قادة الانقلاب، الذين انتهكوا غزة، فلقد دخلوا في معركة حمقاء مع ذاكرة فلسطين ومستقبلها، وفلسطين لن تنسي كيف استبيحت مرة ثالثة في حزيران (يونيو) 2007.

(المصدر: صحيفة "القدس العربي" (يومية - لندن) الصادرة يوم 19 جوان 2007)

قراءة قانونية في حكومة الطوارئ الفلسطينية
 

محمود المبارك (*)    

المتابع للوضع الفلسطيني قد يلحظ كثيراً من المغالطات القانونية الشائعة، التي يرددها البعض بحسن نية أو بسوء نية. فمن ضمن تلك المغالطات لفظة «الشرعية الفلسطينية» التي عادة ما يُقصد بها رئيس السلطة الفلسطينية وحده. ووجْه الخطأ هنا هو أن الشرعية الفلسطينية وإن كانت تشمل الرئيس الفلسطيني المنتخب، إلا أنها غير مقتصرة عليه. فالحكومة التي أقالها الرئيس عباس قبل أيام، هي شرعية ومنتخبة بالطريقة نفسها التي جاء بها الرئيس الفلسطيني ذاته. وبالتالي فإن لفظة الشرعية الفلسطينية، يجب أن تشمل الرئيس المنتخب والحكومة المنتخبة أيضاً، لا أن تقتصر على الرئيس وحده، كما تردد الحكومات الغربية ومعها وسائل الإعلام الغربية أيضاً.

ومن تلك المغالطات أيضاً، إعطاء الرئيس الفلسطيني ما ليس حقاً دستورياً له، حين يقرر مصير الأمة الفلسطينية بنفسه. وقد تكرر ذلك منه، تارة بالإعلان عن الدعوة إلى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة، وقد تراجع عن ذلك بعد أن علم متأخراً أنه خارج عن صلاحياته الدستورية، وتارة أخرى بإقالة الحكومة المقرة من المجلس التشريعي المنتخب، وتشكيل حكومة أخرى بقرار فردي تعسفي، ثم تجريد المجلس التشريعي من عمله الطبيعي الذي انتخب من أجله.

فالقرار التي أصدره الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتشكيل «حكومة إنفاذ حالة الطوارئ»، جاء متعدياً صلاحياته بحسب الدستور الفلسطيني. وقد يبدو هذا واضحاً من صوغ المرسوم الذي أعلن بموجبه الرئيس عباس عن تشكيل حكومة طوارئ، إذ لم يحدد هذا المرسوم المواد الدستورية التي استند اليها الرئيس في تشكيل تلك الحكومة، وإنما اكتفى بالقول: «... وبناءً على الصلاحيات المخولة لنا...». ومعلوم أن في ذلك مغالطة قانونية، إذ إن إطلاق عبارة «الصلاحيات المخولة» من دون تحديد مكانها في الدستور قد تعطي الانطباع أنها تشمل حق تشكيل حكومة موقتة.

ومعلوم أن صلاحيات الرئيس الفلسطيني الدستورية لم تترك للتأويل الشخصي، بل حددت في مواد مفصلة من القانون الأساسي الفلسطيني. وبفحص دقيق للدستور الفلسطيني نجد أنه لا يشمل أي مادة تعطي الرئيس تفويضاً لتشكيل «حكومة إنفاذ حالة الطوارئ».

وشمل الباب الثالث من القانون الأساسي الفلسطيني صلاحيات الرئيس الفلسطيني الدستورية، (المواد 34-46). وأكدت المادة 38 من القانون الأساسي على أن «يمارس الرئيس مهماته التنفيذية على الوجه المبين في هذا القانون»، وبالتالي فإن الصلاحيات غير المنصوص عليها صراحة والتي يعطيها الرئيس لنفسه تكون قد تجاوزت الدستور.

وحُددت صلاحيات الرئيس في مواد عدة، منها المادة 39 التي نصت على أن الرئيس الفلسطيني هو القائد الأعلى للقوات الفلسطينية، كما فوضت المادة 40 الرئيس تعيين ممثلي السلطة الوطنية لدى الدول والمنظمات الدولية، ونصت المادة 41 على إعطاء الرئيس صلاحية إصدار القوانين بعد إقرارها من المجلس التشريعي، وأعطت المادة 42 الرئيس حق العفو الخاص عن أي عقوبة أو خفْضها، وفوضت المادة 43 الرئيس إصدار المراسيم الموقتة في حال غياب السلطة التشريعية عن الانعقاد، فيما يعرف بحالات الضرورة القصوى، كما أعطت المادة 45 الرئيس صلاحية اختيار رئيس الوزراء وحق إقالته وحق قبول استقالته، وأعطت المادة 107 الرئيس الحق في تعيين النائب العام، وأعطت المادة 109 الرئيس الحق في التصديق على حكم الإعدام الصادر عن المحاكم المختصة، كما بينت المادة 110 الحالات التي يجوز فيها للرئيس إعلان حالة الطوارئ. ولكن ليس بين هذا كله حق يخوّل الرئيس تشكيل حكومة من تلقاء نفسه.

بل إن الدستور الفلسطيني، يؤكد مسؤولية الحكومة المنتهية ولايتها في القيام بعملها لتسيير الأعمال التنفيذية إلى حين تشكيل حكومة جديدة، كما جاء في المادة 79 (3)، التي نصت على أنه «عند انتهاء ولاية رئيس الوزراء وأعضاء حكومته يمارسون أعمالهم موقتاً باعتبارهم حكومة تسيير أعمال ولا يجوز لهم أن يتخذوا من القرارات إلا ما هو لازم وضروري، لتسيير الأعمال التنفيذية إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة». وقياساً على ذلك، فإنه لا يمكن القول إنه يجوز تجاوز الحكومة المُقَالة في تسيير أمور الحياة اليومية لحكومة أخرى يشكلها الرئيس نفسه.

إضافةً إلى ذلك، فإن المادة 67 من القانون الأساسي تعطي المجلس التشريعي الحق في الموافقة على أي حكومة مشكلة بمنحها الثقة بالغالبية المطلقة. ولعله السبب الذي من أجله سارع الرئيس عباس الى إصدار مرسوم آخر يوقف بموجبه العمل بمواد الدستور الـ 65-67، وهو أمر لا يملكه دستورياً، إذ إن ذلك نوع من التعطيل الفعلي للدستور.

وبالرجوع إلى مواد الباب السابع المتعلق بإعلان حال الطوارئ، نصت المادة 110(1)، أن للرئيس الحق في إعلان حال الطوارئ عند «وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية... لمدة لا تزيد على ثلاثين يوماً» على أنه يجوز له «تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوماً أخرى بعد موافقة المجلس التشريعي الفلسطيني بغالبية ثلثي أعضائه»، كما نصت على ذلك المادة 110(2).

وبقبول الزعم القائل إن تمكن «حماس» من الاستيلاء على مقر جهاز الأمن الوقائي ومقر الاستخبارات العامة في غزة، يشكل تهديداً للأمن القومي بحيث يتطلب معه إعلان حالة الطوارئ، فإنه ربما جاز للرئيس الفلسطيني إعطاء نفسه حق إقالة حكومة الوحدة الوطنية، التي تطلب تشكيلها تدخلاً سعودياً كريماً. إلا أن الرئيس لم يحدد فترة زمنية لحالة الطوارئ تلك، وهو أمر مطلوب بموجب المادة 110(3).

إضافةً إلى ذلك، فإن حكومة حماس المُقَالَة لم تخلع اعترافها بشرعية الرئيس عباس، بل صدرت تصريحات من قادتها تؤكد شرعية الرئيس الفلسطيني وقبولها جميع الاتفاقات الموقعة مع الفصائل الفلسطينية، بغض النظر عن الخلافات المحتدمة بينها، وهذا أمر يشكك في نزاهة قرار حل حكومة الوحدة الوطنية، الذي ربما جاء استجابة لضغوط خارجية أكثر منه حاجة داخلية ملحة.

النظرة القانونية الفاحصة إذاً، تخلص إلى أن قرار الرئيس الفلسطيني بتشكيل «حكومة إنفاذ حالة الطوارئ»، أمر غير مخول له بنص الدستور من جهة، ومتعارض مع روح الدستور الفلسطيني من جهة أخرى. وبالتالي فإن حكومة الطوارئ التي أعلن الرئيس عباس عن تشكيلها تأتي خارجة عن القانون، وليست لها أي شرعية دستورية تستند إليها، ومن هذا الباب يجب عدم الاعتراف بها أو التعامل معها، بغض النظر عن التأييد الدولي الذي قد تكسبه هذه الحكومة.

فالدول الغربية التي سارعت إلى مباركة قرار حل حكومة الوحدة الوطنية وأيدت تشكيل حكومة الطوارئ، لا تهمها المصلحة الفلسطينية بقدر ما تهمها مصلحة إسرائيل. ولعل في مسارعة إسرائيل والولايات المتحدة إلى تأييد خطوة الرئيس عباس ما هو كفيل بإثارة الشكوك حول المستفيد الأكبر من ذلك القرار.

(*) حقوقي دولي.

(المصدر: صحيفة "الحياة" (يومية - لندن) الصادرة يوم 18 جوان 2007)
الامتياز التونسي
 

بقلم: برهان بسيس

تتوالى منذ مدّة شهادات التقدير الدولية لفائدة تونس، صادرة عن مؤسسات عالمية مرموقة اعترفت لبلادنا بالسّبق والنجاح في مجالات عديدة وهي شهادات تبعث في النفس مزيدا من النخوة والاعتزاز وشيئا من روح المسؤولية الدافعة لمزيد التفكير في تطوير المكاسب وحمايتها.

آخر هذه الشهادات صدر عن المنتدى الاقتصادي العالمي حول افريقيا وصنّف تونس في المرتبة الأولى ضمن مؤشّر التنافسيّة الاقتصاديّة والبلدان الأكثر سلاما واستقرارا وكان المنتدى الاقتصادي العالمي دافوس قد وضع بلدنا في تقريره الأخير ضمن مراتب متقدّمة تجاوزت ترتيب بعض البلدان مثل إيطاليا واليونان وروسيا في مجالات تهمّ مناحي اقتصادية واجتماعية وتشريعية عديدة.

من المفيد التنبيه إلى أن التقرير الأخير للمنتدى الاقتصادي العالمي حول افريقيا الذي وضعنا في المرتبة الأولى افريقيّا قبل بلد مثل جنوب إفريقيا هو خلاصة جهد علمي دقيق تشترك فيه مؤسسات اقتصادية وبحثية مرموقة هي المنتدى الاقتصادي العالمي والبنك العالمي والبنك الإفريقي للتنمية وهو جهد قائم أيضا على دراسات أنجزها صندوق النقد الدولي ومؤشّرات التنمية البشرية الواردة في تقارير الأمم المتحدة وبحوث الوحدة المتخصّصة لمجلّة «The #0201conomist» ذات المكانة المتميزة.

التقرير قام على اختبار تسعة مؤشرات رئيسيّة وهي سلامة المؤسسات والبنية التحتيّة وقوّة الاقتصاد والوضع الصحي والتعليم في مرحلته الابتدائيّة والجامعيّة ونجاعة السوق والتأهيل التكنولوجي وتأهيل الأداء التقني للمؤسسات والابتكار.

تقارير دوليّة عديدة وضعت تونس في مراتب متقدّمة وفق مؤشرات متنوعة متدرّجة من المؤشر الاقتصادي إلى المؤشر الاجتماعي والمؤشر السياسي فتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي حول القدرة التنافسية 2006-2007 وضع تونس مثلا في المرتبة العاشرة من حيث عدم تأثر الموظفين الحكوميين بعامل المحسوبيّة في اتخاذهم لقراراتهم والمرتبة الثالثة من حيث القدرة على ترشيد النفقات العمومية والمرتبة الحادية عشرة في مجال جودة النظام التربوي وهي مراتب تجاوزت أحيانا ترتيب بعض بلدان الدائرة التقليدية للتقدم الصناعي والاقتصادي، لا شك أن هذه الشهادات تزيد التونسيين فخرا واعتزازا بمكاسبهم وتدفعهم لتطوير الاستعداد لمزيد الارتقاء بهذه المكاسب وحمايتها ولكنها أيضا تنطق بالرؤية الموضوعية المتوازنة التي تردّ على المشكّكين والمزايدين في محترفي الاستنقاص والتشكيك والتشويه الذين تستهويهم رؤية واقع البلد من منظار السواد والأزمات والانسداد ويتغافلون عن حقيقة التقدّم الذي تسير على طريقه تونس وهي ترفع الرّهان تلو الآخر في محيط عالمي صعب ومتقلّب وفي مواجهة تحديات داخلية دقيقة تستنفر الدولة والمجتمع كل طاقاتهما لرفعها كالبطالة وتوفير أوسع ما يمكن من فرص التشغيل لفائدة طالبيه والرفع من مستوى عيش التونسيين.

شهادات دولية من هذا الصّنف لم تصدر عن أصدقاء يحابون البلد أو أقلام لها مصلحة لتزيين الصورة التونسية أو جهات تحترف الإطراء والمديح إنما صدرت عن مؤسسات دوليّة مرموقة تعتبر مرجعا موضوعيا لفهم حقيقة أوضاع بلدان العالم اقتصاديا واجتماعيا وسياسيّا تبنى على ضوء تقاريرها الاستراتيجيات والخطط التنموية العالمية وتستنير بملاحظاتها القوى العظمى والاقتصاديات القوية وصنّاع القرار السياسي واتجاهات السياسة الدولية.

ليست هذه الشهادات ردّا فقط على المشككين إنما أيضا إسقاط لتلك الاسطوانة المشروخة المتعلقة بالعطالة السياسية المتفاوتة مع التقدم الاقتصادي والاجتماعي وكأنّ السياسة في تونس كوكب مستقل عن الاقتصاد والمجتمع في اللحظة التي يسير فيها مسار الإصلاح والبناء متوازنا متوازيا بين الأبعاد الاصلاحية الثلاث في السياسة والاقتصاد والمجتمع إذ من غير المعقول تصوّر اقتصاد ناجح ومجتمع متوازن في ظلّ إصلاح سياسي معطّل أو مُنعدم، فالنجاحات في الاقتصاد والمجتمع هي لا شكّ نجاح في الشفافية كاختيار سياسي والمنظومة التشريعيّة كاختيار سياسي واستقلالية القضاء كاختيار سياسي والبناء الديمقراطي المتدرّج كاختيار سياسي.

شهادات أخرى لفائدة التونسي الكادح من أجل إعلاء سمعة وطنه، لفائدة التونسي المجاهد من أجل تطوير واقعه، لفائدة التونسي العامل من أجل اقتصاد بلده، لفائدة التونسي الطامح دوما للأفضل، هي شهادات أيضا لفائدة قيادة جعلت شغلها الأساسي العمل قبل الشعارات والجديّة والتنفيذ قبل غواية الخطاب والكلمات مرجعها ابن تونس البار زين العابدين بن علي الذي رصّع عهده بعناوين عهد الكدّ والبذل والعطاء من أجل تونس.

بعض الأصوات لامت على بعض الصّحف أنها لم تحتف بانتخاب تونسية هي السيدة سهير بلحسين على رأس منظمة دوليّة لا أعرف لماذا لا تستنكر هذه «الأصوات المعارضة» سكوتها هي تحديدا وصمت صحفها عن تقدير شهادات شرف وامتياز صادرة هذه المرّة ليست في حق شخص - مع تقديرنا لكل الأشخاص - بل في حق وطن بأكمله!!!

(المصدر: جريدة "الصباح" (يومية - تونس) الصادرة يوم 19 جوان 2007)

 

للاشتراك في أحد قائمتي المراسلة لتونس نيوز، يرجى إرسال رسالة فارغة إلى:

 tunisnews_arabic-subscribe@googlegroups.com القائمة العربية:  

 

القائمة الفرنسية (وبقية اللغات الأوروبية):  tunisnews_french-subscribe@googlegroups.com

Nuk ka komente: